العالم قرية صغيرة!!

يدور الحوار أحيانًا حول ما إذا كان من الملائم أن تطرح قضايانا ومشكلاتنا الداخلية على بساط البحث خارج الحدود، ويتمسك بعضنا بالحمية الوطنية عندما يقولون إن علينا أن نواجه العالم بأسره إذا ما حاول التطرق إلى شؤوننا الخاصة، ويضربون على ذلك مثلًا بتوجيه الاتهام إلى البعض بأنهم يحاولون الاستنجاد بجهات أجنبية إعلامية أو حقوقية لتأييد وجهة نظرهم في قضايا محلية مثل قضية قيادة المرأة للسيارة.
ما هو المقبول والمرفوض في مثل هذا الأمر؟ المرفوض هو أن يكون هناك تدخل مباشر بالتحريض أو التأليب أو الدعم المادي أو التآمر أو تنظيم الاحتجاجات من الخارج أو الاستقواء بجهات أجنبية أو غير ذلك من الأعمال التي تشكل انتهاكًا واضحًا للسيادة الوطنية وتدخلًا ممجوجًا في الشأن الداخلي، ولكننا في الوقت ذاته لا نملك أن نمنع العالم أو جهات خارجية فيه من أن يكون لها رأي في قضايا عامة تمس الإنسان، فنحن مثلًا نفخر بأننا نطبق الشريعة الإسلامية بما تشتمل عليه من أحكام القصاص والحدود وندافع عن موقفنا في هذا الشأن في كل محفل وعلى رؤوس الأشهاد، ولكننا لا نمنع ولا نستطيع أن نمنع من ينتقد تطبيق تلك الأحكام تحت أية ذريعة كانت.
في قضية مثل قضية قيادة المرأة للسيارة مشكلتنا ليست في المنع في حد ذاته وإنما في أسباب المنع ومبرراته، فنحن لا نقول بأن المنع ناتج عن محظور ديني مباشر، أو أنه ينبع لأسباب طبية تنفرد بها نساء بلادنا دون نساء العالمين، ولا حتى نقول إن المرأة لا تقود لأنها لا تملك رخصة للقيادة فنحن نسمح للكثيرين بالقيادة مستخدمين رخص قيادة أجنبية، ولذلك فإن تحسسنا من الطرح الدولي للموضوع لا يمكن إلا أن يفسر وكأننا نقول للعالم دعونا نفعل ما نشاء فنحن أحرار في نسائنا أو في مواطنينا!
العالم اليوم أصبح قرية صغيرة، والإعلام بات يقرب المسافات ويجعل ما يحدث في فيرجسون في الولايات المتحدة أو في هونج كونج أو في منفذ الحدود مع الإمارات العربية المتحدة يبدو وكأنه حدث محلي، ولذلك وجب علينا أن نتحلى بما يكفي من الشجاعة الأدبية لطرح قضايانا للبحث والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة وأن نقارع الحجة بالحجة وإذا أعيانا المنطق أن نعود لنعترف لأنفسنا بذلك ونسعى إلى إصلاح ذاتنا حيثما كان ذلك متاحًا وواجبًا.