Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المثقف القدوة.. عتبات نحو تحقيق الأنموذج المثالي

المثقف القدوة.. عتبات نحو تحقيق الأنموذج المثالي

جاءت مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، لتحريك كل مفاصل المجتمع نحو استشعار قيمة القدوة، وتحقيقها فعليًا لدى كل فرد من أفراد المجتمع،

A A

جاءت مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، لتحريك كل مفاصل المجتمع نحو استشعار قيمة القدوة، وتحقيقها فعليًا لدى كل فرد من أفراد المجتمع، بما يحقق الصورة المثالية لمجتمع يعي كل فرد فيه واجباته، ويقوم بها، ويستشعر مسؤولياته ويؤديها، ويأخذ مقابل ذلك ما يحفظ له حياته الكريمة.. ويبقى قطاع المثقفين على وجه التحديد من القطاعات التي يعوّل عليها أن تفعّل مفهوم القدوة بشكل عملي، نظرًا لما لهذه الشريحة من أثر في المجتمع، وهو ما يستوجب طرح جملة من الأسئلة تستجلي ماهية معايير المثقف القدوة في ظل التحديات الراهنة، ولماذا غاب المثقف عن المشهد حاليًا وتخلّى عن دوره، وكيف يمكن دعم المثقف من الجهات المختلفة ليؤدي دوره المنوط به، وأي أثر لانصراف المثقف في هموم لقمة العيش عوضًا عن القيام بمسؤولياته تجاه مجتمعه.. محاورُ قدَم فيها عدد من الأدباء والمثقفين إفاداتهم في سياق هذا التحقيق.. 

 

د. عبدالعزيز خوجة: فكرة نبيلة وسامية

عودنا مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل على العديد من المبادرات الرائدة التي هدفها الإنسان السعودي والفكرة رائعة من إنسان رائع ومثقف وهو يعتبر قدوة في المجتمع من خلال عمله والتزامه ومتابعته للمشروعات وما يقدمه من إنجازات بالإضافة لإدارته وحزمه. وإطلاق هذا المشروع فكرة نبيلة وسامية؛ فالقدوة تبدأ من المنزل من خلال الأب والأم، فالبيت هو الأساس، فالوالد والوالدة لابد أن يكونا قدوة لأبنائهما في كافة أمور الحياة، فالأبناء يتعلمون من الآباء كل سلوك. وكذلك المعلم له دور كبير بحيث يكون قدوة أمام طلابه، ولابد أن يكون المعلم في أجمل صورة أمام طلابه، حتى لا تهتز هذه الصورة. والمثقف جزء من المجتمع ولابد أن يكون إنتاجه الثقافي والأدبي متوافق مع شخصيته وسلوكه فالكل ينظر للمثقف أنه قدوة وخصوصًا أن له دور في تحريك المجتمع.

ولابد للمثقف أن يكون ضمن الحركة الإنسانية والاجتماعية ولابد ألا يخل بالمبادئ والقيم وينطبق ذلك على كل مسؤول من وزير حتى أصغر موظف لأنهم جزء من المجتمع.

 

الشريف: احترام قيم المثقف هو الدعم الحقيقي له

ويرى الشاعر علي الشريف أن المثقف القدوة هو الإنسان الفاضل في أعلى تساميه؛ حيث في نظري أن المثقف يملك مثل هذه الروح أو الأقرب إلى المحيط الفاضل وبذلك يصبح قدوة في مجتمعه وملهمًا..

ويستطرد مضيفًا: إلحاقًا لما سبق؛ فهذا الإنسان الفاضل القدوة إذا لمس اختلالاً في المشهد أو المحيط وحاول أن يسهم ولم يجد تفاعلاً أو صدى أو تقديرًا أنزوى بعيدًا زاهدًا أو قريبًا مراقبا والمشهد لا يكتمل إلا بالتفاعل بين كل الأطياف وقوة مراكز التأثير فيها والجذب أو الطرد.. وهنا يبرز دور الدعم بالنسبة للمثقف وأرى أن الدعم الحقيقي هو احترام قيم هذا المثقف أولاً ومن ثم وجوده وإعطائه المساحة الواسعة والفضاء الذي يمنحه مدى الصوت ورد الصدى والتأثير.

 

القحطاني: البيئة الملوثة  لا تصنع القدوة 

ويرى الدكتور عبدالمحسن القحطاني ضرورة توسيع دائرة المطالبة بالقدوة لتشمل كافة قطاعات المجتمع بقوله: نحن لا نطالب المثقف لوحده أن يكون قدوة؛ بل لابد أن يتعدى ذلك كل طبقات المجتمع، والمطلوب كيف نصنع القدوة.. ولابد أن تكون القدوة موجودة في أصحاب القرار؛ في كل مدير أو رئيس بأن يزرع القدوة في مرؤوسيه من خلال أخلاقه وتعامله فالأخلاق تنفذ ولا تقال. والقدوة تمثل أمامك ولا تشخصها، والمشكلات التي حدثت للأمم بسبب فشلها في الأخلاق رغم نجاحها في المعرفة والعلم، حتى على مستوى الدول فهناك دول تكيل بمكيالين وتنقلب بين الحين والآخر ومع ذلك لابد أن توجد بنية نظيفة حتى نستطيع إيجاد قدوة حسنة فالبيئة الملوثة لا تصنع القدوة.

 

مناع: المطلب مثالي.. والمجتمع من يصنع القدوة

ابتدر الحديث الدكتور عبدالله مناع قائلاً: كنت سعيدًا بالحضور في الجلسة التي أطلق فيها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل عن هذا المشروع، وفعلاً يجب أن يكون المثقف قدوة، ولقد كان تاريخنا الإسلامي مليئاً بالقدوات. والقدوة هى مطلب مثالي نأمل أن يتحقق، ونتمنى أن نكون صادقين فيما نقول ونلتزم بالصدق والأمانة والإخلاص، فالمجتمع من يصنع القدوة، فالمعلم لابد أن يكون قدوة وكذلك الأب والأم وينطبق ذلك على كل شرائح المجتمع. أتمنى أن يكون هذا المشروع مشروعًا ناجحًا ومميزًا.

 

قدس: واقعنا في حاجة لمفهوم جديد وصيغة متزنة

ويذهب القاص محمد علي قدس إلى القول: من خلال واقعنا الراهن أننا في حاجة لصياغة مفهوم جديد وصيغة متزنة لنقد المشهد الثقافي والحراك الأدبي بكل تحدياته، ونحتاج للقادرين من مفكرينا ومثقفينا الذين هم على درجة كبيرة من الوعي والمصداقية والحيادية التامة، نعتمد عليهم في قراءة المنظومة الفكرية والمناهج الثقافية بكل متاهاتها وأبعادها، وإخضاعها للتحليل والتفسير للكثير من المسائل التي تجربنا متغيرات العصر وتحدياتها، أن نكون على درجة كبيرة من الجرأة لنقود مسيرة التغيير،الذي تفرضه التحديات الراهنة.

ويخلص قدس إلى القول: إن الأولى بنا ونحن بصدد إحداث الكثير من المتغيرات في مشهدنا الثقافي وحراكنا الأدبي، أن نحتوى هذه المؤسسات ونخضعها أولاً للتغيير، فالأمم عادة تتخذ من الأزمات والنكبات سببًا في النهوض والتغيير. لذلك على دول الخليج أن تعي ضرورة أن يتّجه مفكروها ونخبها الثقافية لإعادة النظر في منظومتها الثقافية ومؤسساتها التعليمية والتربوية والإعلامية.

 

قران: المثقف الحقيقي لا تهمّه لقمة العيش أمام الحرية

أما الدكتور أحمد قران الزهراني فيرى أنه « ليست هناك معايير محددة عن المثقف القدوة؛ إلا تلك المعايير التي تنطلق من أخلاقيات إنسانية تتمثل في الدعوة إلى السلام والعدالة والمساواة.. وأخلاقيات تنبذ الفرقة والطائفية والعنصرية، وأخلاقيات تؤكد على احترام حقوق الإنسان وعدم إيذاء النساء والأطفال والمسنين والدعوة إلى احترام حق الإنسان في الحرية والتعبير عن آرائه وأفكاره.. وأخلاقيات تنطلق من احترام الأفكار والآراء وعدم مصادرتها.. مرتئيًا أن «هذه بعض القيم التي تجعل من المثقف قدوة في مجتمعه». مرجعًا السبب الرئيس في غياب المثقف عن المشهد إلى «عدم إتاحة الفرصة للمثقف للتعبير عن رأيه بحرية، وعدم وجود منابر تقدم للمثقف فرصة إطلاق أفكاره بحرية والتضييق عليه وإتاحة الفرصة لمدعي الثقافة بتزوير المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي. ماضيًا إلى القول: للأسف الشديد الجهات المعنية بدعم المثقف تروح لأولئك المثقفين السطحيين الذين يدّعون الوطنية والولاء ويطلقون الاتهامات تجاه المثقفين الحقيقيين الذين يحبّون وطنهم حبًّا مجرّدًا من المصالح الذاتية.. فالمثقف الحقيقي لا تهمّه لقمة العيش إذا وجد منافذ لقول آرائه وأفكاره دون المساس بالقيم الدينية والاجتماعية.

 

الرشيدي: عليه أن يكون أنموذجا جيدا وليس مثاليا

ويقول الناقد حمد الرشيدي: ينبغي علينا أن لا نطالب المثقف بأن يكون مثاليا بقدر ما نتوقع منه أن يكون أنموذجًا جيدًا للإنسان الواعي في مجتمعه، معايشًا لواقعه في كل الحالات والظروف التي يمر بها؛ فالمثقف الفعلي هو الذي لا يمكن أن ينعزل عن مجتمعه مهما كانت الظروف المحيطة، وأن نتخلص من مقولة «المثقفون يعيشون في بروج عاجية»، فإذا استطعنا كسر هذا الحاجز بين المثقف ومجتمعه فسوف تتحقق لنا فائدة المثقفين لمجتمعاتهم أو أثر المجتمعات على مثقفيها ومدى تأثير كل منهما في الآخر. وعلينا أن ندرك أن أغلب المثقفين في منطقتنا يعملون لحسابهم الخاص، وبالتالي هذا الوضع يجعلهم يتأرجحون في غيابهم وحضورهم في المشاهد الحياتية من حولهم تبعًا للحالات والظروف المختلفة التي يمرّون بها بين الحين والآخر. فكلما تحسنت ظروفهم وخاصة المادية منها أقدموا، وكلما ساءت أحجموا.. ولهذا أرى أن الدعمين؛ المادي والمعنوي هما المحفز الرئيس لعطاء المثقف وإنتاجه المثمر.

 

نجاة: الثقافة الإيجابية معيار مهم لتحديد دور المثقف

وتتفق الشاعرة نجاة محمد مع سابقيها في أن للمثقف دوره البارز في مجتمعه، وتكمن تلك الأهمية في تحديد أهم المعايير التي يلعبها كدور فعال في المجتمع، ومن تلك المعايير ثقافته الإيجابية ومدى مصداقية ما يقوم به المثقف لنشر ثقافة الأفكار.

ماضية إلى القول: معيار الدور الذي يقوم به كمثقف وكإنسان في مرحلة تاريخية معينة يستمد قوته من الثقافة التي يمثلها ومن المواقف التي يتخذها للتعبير عن هذه الثقافة. كما أن بعض الاضطربات التي تظهر في المجتمعات في مجالات الحياة وخاصة السياسة، تشكل حاجزًا أمام المثقف، وتحجم من دوره، وتدفعه للانغلاق على محيطه وبيئته وعدم الخلط بين الثابت من الحقائق والمتغير من التراث والعادات والتقاليد والقيم. وتبعًا لذلك لابد من أن تكون هناك حرية فكرية ترتقي بدور المثقف وأن يمنح من جميع الجهات المساندة له بالمجتمع نشر رسالته الثقافية داخل المجتمع.

 

أسماء: التعلق بالأشخاص وراء غياب دور المثقف

وتشارك الناقدة أسماء الأحمدي بقولها: إنَّ مسيرة التَّنوير والدّور الرّيادي فكرًا وثقافةً ترسمه خطى الأمير خالد الفيصل؛ ليطالعنا سؤال جوهريّ؛ يستوجب الفعل والفكر قبل القول والتّلفظ: «كيف نكون قدوة؟». فالمثقف القدوة هو الذي يعني مفهوم وماهيّة الوطن وحقيقة المُواطَنَةِ، وكل المفاهيم المتعلّقة بالولاء بعيدًا عن الاختلافات المتعلّقة بالأفراد أو الجماعات أو المؤسّسات وما تتسبّب به من شحناء قد تُخرجه عن مساره وأهدافه المرتقبة منه، كل ذلك يُحتّم عليه عدم الاتّكاء على تصنيفات الثّقافة وعُزلة الأفراد وفرقة الجماعات. تلك التّصنيفات الماحية لوجوده والممزّقة لأوراقه والطّامسة لوجوده. 

وتضيف الأحمدي: من الأسباب التي أدّت لغيابه تعلّق أهدافه بأشخاص ومؤسّسات لا بفكرة البناء والخلافة والإنسانيّة والحضارة، وتشكيل قدوةٍ لأجيال هي في أمسِّ الحاجة لامتثال خطى راسخة ومبادئ ثابتة، ولكي لا نُلقي باللائمة الكاملة على قصور أهداف المثقف ونعامله كجهازٍ آلي أو شخصيّة أفلاطونيّة، ربما على المؤسَّسات الثّقافيّة أن تُدرك دورها أيضًا وحاجة المثقف لجهات داعمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store