Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

عزيزي الصحفي: لا تجيب أقصاك

A A
أحد أصدقائي المقربين قال لي يوماً ناصحاً حين رآني في لحظة انفعال «انتبه لا تجيب أقصاك»، والحقيقة أني لم أدرك للوهلة الأولى قصده من تلك العبارة إلا بعد أن ذهبت ثورة الانفعال تلك وشرح لي ما كان يقصده، فالشخص عندما يغضب و»يجيب أقصاه» فإن هذا يعني ان انفعاله أوصله إلى إخراج كل ما بجعبته من تصرفات أو أقوال تجعل من غير الممكن له العودة وإصلاح الأمر. فهذه النصيحة القيمة تدعو للاعتدال في لحظات الغضب لكيلا يتسبب الخلاف بسيطاً كان أو كبيراً في إقفال أبواب العودة والصلح بين الأصدقاء أو الشركاء أو الأقارب أو زملاء العمل، أو غيرهم.

وفي الواقع فإن هذه النصيحة الحكيمة لا تقتصر على الدعوة إلى عدم التطرف في الغضب وحده، فالإنسان ينبغي ألا «يجيب أقصاه» أيضاً في المديح الذي يكيله في لحظة عاطفة جياشة للآخرين، أو في انتقاده لهم، أو ثقته المفرطة بهم، فهي باختصار كما أشرت دعوة للاعتدال في كل مشاعرنا وممارساتنا مع الآخرين بحيث نترك دائما خطاً للعودة، فلا أحد يعلم ما الذي تخفيه الأيام وبأي اتجاه ستتغير الظروف في المستقبل.

وأنا هنا وفي هذا التوقيت لم أستطع أن أقاوم تقديم نصيحتي لكثير من الصحفيين والكتاب العرب بأن «لا يجيبوا أقصاهم» مع كل خلاف أو اختلاف فيبدأون معهم بكيل الشتائم واستخدام العبارات البذيئة وتلفيق الأكاذيب بحق من يختلفون معه، فقد أثبتت التجارب دوماً أن الخلافات مهما بلغت حدتها لا تدوم وأن الاختلافات أمر طبيعي لا غبار عليه.

إن ما نشاهده ونقرأه ونسمعه اليوم على بعض وسائل الاعلام العربية لا يمكن وصفه إلا بـ «الردح» وسلوك «العوالم» الذي لا يتفق أبداً مع أخلاقيات مهنة الإعلام، ناهيك عن منافاته لأبسط القيم والأخلاقيات الإنسانية من حيث الأسلوب والمحتوى والمصداقية والعبارات المبتذلة، ونحن لو نظرنا حولنا لرأينا الكثير من الإعلاميين وحتى وسائل الإعلام التي أحرقت كل جسور العودة مع الأطراف التي تختلف معها، وهذا ليس من العقل أو الحكمة.

خلاصة القول إن على كل صحفي أو وسيلة إعلام أن يحافظوا دوماً على رزانتهم والتزامهم بقيم المهنة وأخلاقياتها، وخير وسيلة لذلك هي أن «لا يجيبوا أقصاهم» تحت أي ظرف.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store