Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

كفى تقمصاً لدور الضحية

A A
التفكير كضحية victim mentality هو أحد الأمور الشائعة منذ القدم والتي يمارسها بقصد ودون قصد الأفراد والشعوب والحكومات والأقليات، وذلك لتحقيق أهداف مختلفة معنوية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، من خلال استدرار تعاطف وإشفاق الآخرين، والتنصل من المسؤوليات، وإلقاء اللوم كاملاً وبشكل مستمر على الغير .

ودولياً تعتبر إسرائيل من أبرز الأمثلة في استخدام دور الضحية كسلاح لتبرير مواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية وإجراءاتها التعسفية بحق الفلسطينيين، لدرجة أصبح معها « العداء للسامية » تهمة جاهزة بحق كل من يجرؤ على انتقاد ممارساتها أو يبدي تعاطفاً مع الفلسطينيين . هذا التمادي الإسرائيلي في لعب دور الضحية دفع السفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل مارتن إندك للقول خلال حوار له مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية : «لقد أقنعتم أنفسكم أنكم ضحية وأنكم يجب أن تظلوا شاهرين حرابكم، لكنكم لم تعودوا ضحية ولا يجب أن يكون مستقبلكم مبنياً على الحراب ».

السؤال هو هل يعقل أن يقوم أي شخص بإضفاء طابع البؤس على حياته بتقمصه دور الضحية، ولماذا؟

الجواب ببساطة هو أن « التفكير كضحية » يمكن أن يكون متلازمة مرضية يمارسها الشخص دون وعي منه وتستلزم علاجاً نفسياً، كما يمكن أن يلجأ البعض إليها لتحقيق فوائد شخصية وصفها البروفسور Raoul de Vitry بالقول: « لعب دور الضحية يشبع لدى الشخص الكثير من الرغبات الكامنة كالرغبة في الإحساس بشفقة الآخرين ونيل مساعدتهم وجذب انتباههم، إضافة إلى كونه وسيلة فاعلة لعدم تحمل المسؤولية وإلقاء اللوم على كل شخص وشيء باستثناء أنفسنا ». ووصف البروفيسور Raoul كل هذه الفوائد بأنها « ممتعة ومغرية للنفس البشرية لدرجة يصعب وصفها أو التقليل من شأنها »،فهي تمنح صاحبها شعوراً بالتحرر والارتياح، وهل هناك ارتياح وشعور أقوى من تحميل الغير تبعات خمولنا وتقصيرنا وسلبيتنا واعتبارها دوماً نتاجاً لظلم الآخرين واضطهادهم لنا، ناهيك عما يحققه دور الضحية من إشباع عاطفي أو حتى نيل للمساعدات المالية وغيرها دون جهد أو عناء .

متقمص دور الضحية كثيراً ما ينجح في كسب تعاطف الناس ودعمهم لبعض الوقت، لكنهم سرعان ما يتخلون عنه وينفرون منه دون أن يشعر، وذلك بمجرد إدراكهم لسلبيته وكثرة تذمره وشكواه وترديده الدائم لعبارات : لا أستطيع، ليس لدي خيار، إنهم يغلقون الطريق في وجهي، يضطهدونني، يفضلون غيري .. .

حقيقة لا يمكن إغفالها، أن الحياة مليئة بالصعاب والعقبات .

والحقيقة الأهم، أنك في النهاية وحدك صاحب القرار .

فإما أن تكون بطة عرجاء دائمة الصياح تراوح مكانها، أو تكون صقراً يحلق عالياً في الآفاق .

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store