هَذا العَصرُ هو عَصرُ الجَمَاهير بامتيَاز، ومَن يُلاحظ مُقدِّمات الرَّبيع العَربيِّ، سيَجد أنَّها قَامَت عَلى أيديهم، بغَضِّ النَّظَر عَن مَكانها وزمَانها، فالجَمَاهيرُ لَهَا تَصرُّفاتٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ أَنحَاء الأَرض، طَالَمَا كَانت مَجموعَة فِي قَولك: «لَيس يَرملون وإنَّما يَتجمهَرون»..!
مِن هَذا البَاب -أَعني بَاب الجَمَاهير-، دَعونَا نَدخُل فِي مُحاولة لفَهم الجَمَاهير وأنوَاعها، مُستعينين -بَعد الله- بكِتَاب «سَيكولوجيَّة الجَمَاهير»، للمُفكِّر العِملَاق «غوستاف لوبون»، حَيثُ حَاول مُترجم الكِتَاب، الكَاتِب الكَبير «هاشم صالح»، أَنْ يُحدِّدَ أنوَاعَ الجَماهير بشَكلٍ عَامٍّ، ليَصل إلَى هَذه التَّصنيفَاتِ الثَّلاثةِ، التي بَلورهَا لَهم، حَيثُ يَقول المُؤلِّف: (أوَّلاً: الجَمَاهير، هي عِبَارة عَن تَراكُم مِن الأفرَاد المُجتَمعين بشَكلٍ مُؤقَّتٍ؛ عَلى هَامِش المُؤسَّسات، وضِد المُؤسَّسات القَائِمَة، بمَعنَى آخَر، فإنَّ الجَمَاهيرَ مُؤلَّفةٌ مِن أشخَاصٍ هَامشيين، وشَاذِّين عَن المُجتَمع.
ثَانيًا: الجَماهير مَجنونَة بطَبيعتها، فالجَمَاهير التي تُصفِّق بحَماسةٍ شَديدةٍ؛ لمُطربها المُفضَّل، أَو لفَريق كُرَة القَدَم الذي تُؤيِّده، تَعيش لَحظة هَلوسَة وجنُون، والجَمَاهيرُ التي تَصطَفُّ عَلى جَانبي الطَّريق سَاعَاتٍ وسَاعَاتٍ، لكَي تَشهَدَ مِن بَعيد مرُور شَخصيَّة مَشهورة، أَو زَعيم كَبير للحظَاتٍ خَاطِفَةٍ هي مَجنونَة. ثَالثًا: أَمَّا الجَوَاب الثَّالِث، فيُزايِد عَلَى الجَوَابين السَّابقين، ويَمشي خُطوَة أُخرَى في اتّجاه التَّهجُّم عَلى الجَماهير، ويَقول بأنَّها مُجرِمَة، فهي بِمَا أَنَّها مُؤلَّفة مِن الرِّعَاع والأوغَاد، أَيّ مِن الرِّجَال الغَاضبين والحَاقِدين، فإنَّها تَهجم وتَقتل وتَسلب كُلَّ شَيءٍ، مُجسِّدة العُنف الهَائِج دون أَيِّ سَبَبٍ، أَو مُبرِّرٍ وَاضِحٍ، وهي تَعصي السُّلطَات، وتَخرج عَلى القَانون)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُطَالب عُلمَاء الاجتمَاع والمُختصين، أَن يَدرسوا تِلك الجَمَاهير التي لَا تُرى، وأَعنِي بِهَا سَيكولوجيَّة جَمَاهير الفِيسبوك، وجَمَاهير تويتر، وغَيرهمَا مِن تِلك الجَمَاهير، التي نَلمس تَأثيرها، ولَا نُشاهد حشُودهَا عَلَى أَرض الوَاقِع..!!
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
