Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إبراهيم السمحان: الإعلام الجديد غيّر المسار وقرّب المسافات

No Image

A A
لكل مثقف محطات مهمة في تجربته، وفي الشعر تحديدًا يمر الشاعر بعدد من المحطات والمراحل التي تشكل في مجملها تجربته الشعرية، قد تقوده محطة ما إلى نجاح آخر وتشكل له منعطفا مهمًا بتأثيرها المعنوي، وربما تزرع في نفسيته الإحباط وتخلق له حالة من الملل في مرحلة، ولكنها تبقى بتفاصيلها الصغيرة في الذاكرة تستعيد قراءتها وتفاصيلها في لحظة كتابية فيها من الحميمية الشيء الكثير.. هنا يسرد لكم الشاعر والكاتب ابراهيم السمحان بعض محطات تجربته الشعرية والإعلامية والكتابية أيضًا..

* ثمة مشاعر ليس لها قرار غير حضن الأم الدافئ والتي مررت مشاعرها الحانية فوق قلبي، فاهتزت أرضه وربت، ونبتت بذور موهبتي وسط بيئة محاطة بالشعر يملؤها صوت والدتي التي يتقاطر نبضها شعرًا ووالدي الذي يشاطرها فيه، حبا ورواية. وكان هذا الحديث الدقيق والشعر الرقيق هو الخيط الرفيع الذي غزلته هذه البيئة في ذاكرتي وأنا طفل، واستمر هذا الخيط ينسج نوره كلما كبرت فعندما تنفست الشعر في سن متقدمة جدا تغذت حواسي بنغمه الجميل فكان هذا الدفق يضم ضفاف قلبي ويثبتها على قاعدة متينة تحوك شغف الحرف وما يحيط بي من مواويل وإحساس شعري متحفز يضمني بكامل مشاعري ويوقظ بداخلي روافد ما كان لها ان تستيقظ، وما كان لي أن أعثر عليها لا في القراءة ولا في أي تجربة أخرى. روافد زرعت قلبي في تربة خصبة فكان يزهو واسعًا وسع المكان والزمان، ومن هنا بدأت بكتابة الشعر الذي كان يسير خلف صهيل القلب من فضاءات أسرتي التي أرضعتني الحلم إلى العالم الخارجي الأكبر. بهذه المفردات ومعها ترعرعت الشاعرية المبكرة وغرست نبتتها في قلب ذاك الفتى الغض. وبدأت علاقتي بمن حولي احفظ منهم والقي عليهم ما اجده يعبر عن حالتي الشعورية وكنت اتحين أي فرصة للانطلاق الخارجي وبدأت اكتب وأدون ما أكتبه وأمارس عذابات القراء والكتابة وامارس التجريب بكل الأشكال الأدبية حتى بدأت أشعر بحاجتي للانفلات من محيط العائلة ومجتمعي الصغير الى مجتمعي الأكبر.

* بدأت المرحله التالية من تجربتي الشعرية وكنت أتساءل كيف يمكن للشاعر أن يصل بتجربته إلى مستوى الشعر الحقيقي ومن سيرافق هذه المسيرة ومن هم الجمهور المتلقون لتجربة التجديد التي باتت تمشي بي في دهاليزها وكلي نشوة ودهشة، انصهرت من جديد في البحث عن المكان الملائم والركض خلف تجديد لغة الشعر غير المألوفة في حينها وبدأت النشر في صحف المنطقة الوسطى كالجزيرة اليمامة الرياض، لكني اصطدمت بالبيروقراطية والكلاسيكية المحنطة والتي تحد من طموحاتي وافكاري وتحرق تجربتي بقالبها الروتيني لأني أردت الغوص خارج الدائرة المفرغة التي يغوص فيها الشعراء، فكلما شعرت أني اقتربت في ترسيخ الفكرة زادت بي الحماسة واشتعلت أكثر، كموقد يشتعل دون انطفاء، بت أبحث عن المكان المختلف الذي يشجع الفكر والابتكار والتجديد فلجأت الى صحف المنطقة الغربية وبالذات صحيفة البلاد، وفي كنف الجميل عبدالله زهير الشمراني الذي فتح لي ابواب الترحيب وتقدير النص الجديد على مصراعيه فلم تتوقف اللحظة الابداعية معه فانبلج الفضاء امامي واستمر مضيئا لم تخفت جمرته، ومن مراياه العاكسة تولدت فكرة الهجرة أبعد وأبعد، فهاجرت بقلمي لصحف الخليج وبالذات جريدة السياسة لدى ناصر السبيعي الذي غمرني هو الآخر بترحيبه وروحه المنفتحة على الجديد وبرغم الشللية المتفشية، آن ذاك، الا أنني استطعت ان اترك بصمة جيدة، وأن أعرف إلى أين أنا أتجه.

* عدت بعد ذلك، وكان وهج الكلمة المجددة قد سبقني، فكانت نقطة الانطلاق الحقيقية، برفقة بعض من استهوتهم تجربة الجديد، فساروا في ركابها، بوعي أحياناً، وبغير وعي في بعض الأحيان، وكنت أدرك بأنه من الصعب على المرء أن يندرج ضمن نسق أدبي جديد، وأن يمتلك وعياً شاملاً ودقيقاً به، في يوم وليلة، ودون أن يمر بصعوبات ومراحل، ولذا فقد كنت أعذر من كبت بهم الجياد، في الوقت الذي أحمل فيه بعضهم كامل المسؤولية، فيما أصاب هذا النص من عثرات وتراجع، فقد انشغلوا بدل الارتقاء به وترسيخه والاشتغال على مواهبهم، تثقيفاً وممارسة، بخوض معارك أدبية زائفة، وفي غيرما قليل من اللجاجة، في سبيل تحديد من كانت لهم الريادة في هذا النمط، ومن أتوا بعد ذلك، والى ما هنالك من قضايا، من المؤكد أنها لم تكن مفيدة، إن لم تكن ضارة.

* الصحافة الشعبية (الديوانية - سوالف ليل - حقول السنابل) لم تكن الديوانية تجربة عابرة، فقد تصدرت المشهد الشعري لفترة، وعملت على استقطاب الكثير من المجددين، حتى استطاعت أن تمسك بالخيط وتحركه كيفما تريد، هذه حقيقة، والحقيقة الأخرى هو أنه تسلل في خضم ذلك، العديد من الأدعياء الذين لا يملكون شيئاً سوى خربشات على الورق، ومن خلال نصوص رديئة كانت هي النماذج التي يتناقلها مناوئوا الجديد، ولأسباب لا أعلمها انطفأت تلك الشعلة وتوارى الذين جعلوا همهم النص الشعري وحده. لتتسلم الراية صفحتا سوالف ليل وحقول السنابل. أما سوالف ليل فقد اعتمد محررها على الخبرة الصحفية والإثارة التي تبهرك بأشد ما يمكن، بحيث توزع جهدها في نواح عديدة اقتربت من النص حيناً وابتعدت عنه حينا آخر، وفي كل الأحوال فسوالف ليل بيئة خصيبة انفسح فيها المجال أمام الشاعر وراح يتحرك في فضاءات لاعهد له بها، من اقتحام وتجريب تخوم ما كان ليتاح له الوصول اليها لولا وجود هذه الصفحة. وأستطيع أن أقول: إن جزءاً كبيراً من المهمة التي الزمت نفسها بها حقول السنابل هي استنبات المواهب الشابة ورعايتها، وبنظرة الى الخلف تستطيع أن تضع يدك على بدايات العديد من الشعراء الذين يشار اليهم بالبنان لتجد بأنهم من نتاج الحقول أو على الأقل ممن شملتهم برعايتها وحنت عليهم.. وحسبك بها من مهمة.

* الفن الشعبي .. عندما تغنى بكلماتي عمالقة الفن الشعبي أمثال (فهد بن سعيد - حمد الطيار - عبدالله الصريخ) رددت العبارة التالية (قل لنفسك إن كل شيء تتصوره وتتخيله هو موجود هنا بالفعل) قبل ذلك كنت أغني أشعاري بروح واسلوب وطريقة كل من هؤلاء، وأتخيل أنني أحدهم، وقد كان بالفعل، وبأحاسيس عالية جسدت مشاعري وعبرت عما تحمله نصوصي من أفكار وانفعالات، فكانت مرحلة مهمة أصبحت فيها الحدود بيني وبين المتلقي مفتوحة ونفذت الى ذائقته بقوة.

* منصات النت.. ترددت كثيرًا في الدخول لعالم شبكات التواصل الاجتماعي، فأنا سأنتقل الى واقع جديد، فهل سأصل الى الراحة والانسجام الذي أنشده، هل هو المكان الذي سأجد نفسي فيه، تساؤلات كثيرة كانت تساورني، وماهو إلا أن دخلت، حتى اختفت هذه الهواجس ووجدتني أتقلب في دفء أسرة حميمة تتفاعل وتنفعل معي أولاً بأول، فحملت همومي واشعاري اليها وكلي يقين اني سأجد فيها ما يرضي شاعريتي ويزيل عذاباتي التي رافقتني لنشر قصائدي وبالشكل الذي يرضيني ويرضي المتلقي فكان الركض لقلوب الأحبة عن طريق أروقة النت، وهي المرحلة الجميلة والمبهجة التي غيرت المسار وقربت المسافات بيني وبين المتلقي، أنا مدين لهذا الفضاء في كل ما كتبته فيه، والذي فاق جميع ما أنجزته في كل مراحل حياتي الشعرية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store