Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

استباق نهاية الكتاب الورقي!!

A A
أثارتني فكرة نهاية الكتاب الورقي التي أصبحت من يقينيات العصر، على الاستجابة ثانية لدعوة مؤتمر كتاب المكفوفين وذوي الحاجات الذي تنظمه مكتبة المكفوفين في جنيف . مكتبةصغيرة ولقاء كبير بأحلامه، يحتفي بالقراءة، يلتقي فيه الكتّاب والفنانون، ومنتجو الكتب السمعية الآلية، أو تلك المسجلة بأصوات فنانين وفنانات متطوعين للفعل الخيري، جعلوا من الكتاب البعيد عن المكفوفين وذوي الحاجات الأخرى، مادة قريبة وفي متناولهم . حضوربعض دور النشر المتخصصة من السويد إلى بلجيكا والبرازيل، وسويسرا، شجع أكثر على طرح المعضلات الكبرى التي تواجه ذوي الحاجات وتواجه الإنسان السليم جسديا أيضا . فقدطبعت هذه الدور آلاف الكتب السمعية ووضعتها على مختلف الوسائط ومنها CD ،تحت تصرف القارئ المستمع الذي يحتاجها . فوفرتلذوي الحاجات، ولعشاق الكتاب المسموع، مادة كان الكثير منهم يكتفي بطريقة البرايل المتعبة، أو ربما بما يجود به الأصدقاء من تطوع للقراءة لهم، وهو أمر غير متوفر دائما . ليسالأمر سهلا طبعا أن تمس كل فئات المجتمع بنظام جديد عليهم . عملكبير يشترك فيه الكاتب صاحب المؤلف الذي يهدي كتابه حصريًا لذوي الحاجات، والفنانون والفنانات الذين يقومون بمنح أصواتهم بدون مقابل للنصوص التي يقرؤونها ويعطونها حياة وحركة . الكلّيلتقي على منصة واحدة مع القارئ المكفوف وغير المكفوف، الذي ينتظر طويلا مثل هذه اللقاءات التي تعيد له اعتباره في عالم معقد وصعب . الهدفالأسمى في النهاية هو إسماع القارئ المكفوف النصوص الجديدة التي نُشرت على مدار السنة، أو فازت بجوائز، حتى تُصبح في متناوله، عن طريق الوسائط الفنية الحديثة التي تتطور بشكل متسارع ومهم، من خلال المنصات الاحترافية التي حولت الفعل القرائي أيضا إلى فعل تجاري، يستبق اندثار الكتاب الورقي . تتوزعهذه الكتب بين النص الأوروبي والعالمي والعربي المترجم أيضا، من البيست سيلر الأدبي، إلى الكتاب العلمي والنفسي وغيره، وإن كان حظ الروايات أكبر . حضوربعض كتاب النصوص يمنح القراء المكفوفين وذوي الحاجات، فرصة كبيرة لكي يكونوا حاضرين بأسئلتهم التي يودون طرحها على الكتّاب، وحتى على الفنانات والفنانين المكلفين بالقراءة . لأولمرة يضع القارئ المكفوف شيئا ماديا على علامة اسم الكاتب، أو على صوته وإن لم يلمسه، لكن إحساسه بحضوره يجعله ليس فقط قارئا، ولكن إنسانا حيا ومتجاوبا مع زمانه . صوتالفنان القارئ والمتطوع، لا يقل قيمة أيضا، عن كاتب النص، لأنه حلقة الوصل الحقيقية إذ بدونها لا يصل الكتاب ولا الكاتب ولا الأفكار التي يحتويها النص إلى مسامعه . ملكةالاستماع تُوفِّر بعض الراحة، ليس فقط للمكفوف، ولكن أيضا للقارئ العادي الذي أصبح يميل إلى رؤية القصة فيلما أو مسموعة مع موسيقى خلفية هادئة، نظرا لانعدام الوقت، وصعوبة الفعل القرائي الذي يحتاج إلى مناخ وثقافة وتربية خاصين في زمن يتسارع ولا يترك أي مجال للقراءة بسبلها التقليدية . الوسائطالحديثة توفر هذا النوع من القراءة السريعة والمفيدة ولا يكلف الأمر اليوم أكثر من حاسوب، أو تليفون ذكي، وسماعة، ثم الاستسلام لمتعة السماع القرائي، بأصوات تمسرح القراءة وتعطيها حيوية . تتوفربعض المنصات الشبيهة في الإنترنت، لكن أغلبها غير قانوني . تقرأالنص آليا، مهملة الحركات والوقفات والتغيرات التي تمنح المستمع إمكانات واسعة للتخيل المصاحب للقراءة الفنية . تحتاجالقراءة حتى تكون فاعلة، إلى المزيد من الأنسنة التي تجعل صوت القارئ قريبا من المتلقي . أنسنةالقراءة مسألة في غاية الأهمية في تدعيم العلاقة الحميمية بين القارئ المكفوف أو المستمع العادي، والفنان الموصل للنص إلى المستمع . اللغةالآلية لا حياة فيها باستثناء توصيل محتوى الكتاب بشكل حيادي وبارد قد ينتهي بحالة إرهاق وملل عند المستمع . هناكخوف من طغيان هذه القراءة مستقبلا لأنها الأقل تكلفة والأسهل . حضورالفنانين والكتاب وجمعيات مساعدة المكفوفين، وجمعيات تشجيع القراءة، ومنتجي الكتاب السمعي، تعطي مثل هذه اللقاءات جدية حقيقية . شاهدتفي الدورة السابقة كيف أن الفرحة كانت تقرأ على ملامح المكفوفين وهم يشغّلون حاسة السمع بقوة لحفظ نبرات كاتبهم المفضل وهو يتحدث عن كتابه، أو غنّة الفنانة المسرحية التي تطوعت لقراءة كتابهم المفضل، أو المؤلف الموسيقي الذي اختار القطعة الخلفية المناسبة . ليسالعطب البصري عقوبة إلهية، حالة يمكن أن يصاب بها أي منّا . لانجعل في بلداننا العربية الغائبة كليًا عن العصر، من ذوي الحاجات، كائنات تأتي داخل الصمت، وتموت فيه .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store