Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

إسرائيل تبطِل النظرية

A A
فتح الإنسان العربي عينيه على (نظرية أزليَّة)، أو قل مسَلَّمة، فأصبح رهينة لمقتضاها، ولا يمكنه أن يحيد عنها أو يُشكِّك فيها. النظرية بكل أزليتها وعمقها تنصُّ على أنَّ البيئةَ الجغرافيَّةَ لبلاد العَرَب ونظرًا لقساوتها -كونها بيئة صحراوية- فإنَّ لها انعكاسًا حتميًّا يَظهر على عقلية أغلب قاطنيها -مهما كان عِرقه أو لونه- وعلامات هذا الانعكاس تتمثل في بلادته، وانخفاض مستوى ذكائه وفطنته، وعدم حرصه على الإنجاز، وعدم تحقيقه الطموحات المأمولة منه، وغيرها من الإسقاطات التي تُحشَد لتكون مبررًا وحجةً للتأخر والرجعيَّة العربيَّة التي تُجيَّر مباشرةً للبيئة الجغرافيَّة وحدها. هذا يعني أن البيئة الجغرافيَّة العربيَّة غدت المشجب الذي يُعلِّق عليه العرب تأخُّرهم، ويعني في الوقت نفسه أن مَن يَقْدُم للبيئة العربية ستتشكل عقليته قسرًا وفق ظروفها، ما يعني حالة تغير جذرية حتمية في خلايا دماغه تجعله عديم التفكير، قليل المعرفة، عديم الفطنة، منخفض الذكاء على المستوى الفردي، ومحصلة ذلك كله تأخرٌ حضاريٌّ على المستوى العربي. هنا نضطر لاستحضار بنك الحكمة العربية الأصيل لنستلَّ منه الحكمة القائلة: «رُب ضارة نافعة» ونُسقطها على مرارة جثوم العدو الصهيوني (إسرائيل) على صدور العرب في فلسطين المحتلة، عندها سنجد تجسيدًا حقيقيًّا للحكمة السالف ذكرها؛ فعلى الرغم من أن إسرائيل بمثابة الضرر إلاَّ أنَّها أبطلت النظرية التي آمنت بها الشعوب العربيَّة، وهي أن (البيئة الجغرافيَّة العربيَّة) لا يمكن أن تكون بيئة مفرِّخة وحاضنة للموهوبين والعباقرة والمبدعين، ولا يمكن أن تُوفِّر مناخًا للنهوض والتنمية والتطوُّر، لكنَّ إسرائيل -التي تشارك العرب بيئتهم الجغرافية بكل تفاصيلها- تأتي لتُبطل النظرية الأزليّة أمام مرأى ومسمع العرب أنفسهم. فقبل خمس سنوات بثت قناة الجزيرة عبر برنامجها (تحت المجهر) تقريرًا بعنوان: (إسرائيل وصناعة العِلم)، وثبَّتته على الشبكة العنكبوتية، وفيه عرضٌ لحقائق دامغة على عناية إسرائيل بالعلم والتكنولوجيا والتطور دون أن تستكين لنظرية البيئة الجغرافيَّة العربيَّة وهي التي تقع في قلبها. يذكر التقرير أن معهد وايزمان للكيمياء الحيوية أقيم قبل حوالى (٧٦ سنة)، بمعنى أنه بلغ اليوم الثمانين، وبعض العرب لم يسمع بعدُ بهذه المسمَّيات، ويذكر التقرير أنه لم يكن غريبًا أن يُسمع في إسرائيل عام (١٩٥٤م) أول حاسوب للأغراض العلميَّة؛ ليكون سادس حاسوب يُصنع في العالم، ويُذكر أيضًا أن إسرائيل وبعد حرب (١٩٧٣م) «وضعت خطة لبناء تفوق تكنولوجي كبير جدًّا، بحيث يكون هناك فارق جيل أو جيلين بين العالم العربي وإسرائيل من حيث التفوق التكنولوجي»، ولذا فلا غرابة أن تحتل إسرائيل -بحسب التقرير- مركزًا متقدمًا في صدارة الدول الخمس المصدرة للأسلحة في العالم. ويضيف التقرير -على لسان شمعون بيريز-: إن إسرائيل هي الأولى في عدد المهندسِين على مستوى العالم قياسًا بالكيلومتر المربع، ومن الأوائل في مجال الطب. ولو تتبعنا التقرير وغيره لوجدنا الفارق كبيرًا بين ما وصلت إليه إسرائيل وحدها وما وصل إليه العرب على مستوى التقنية العالية (الهايتك) والتقدم العلمي والازدهار الاقتصادي والتنمية والرفاهية، وفي المجالات كافة، وهو ما يطرح سؤالاً -ظلت إجابته مستعصية- عن سر هذا الفارق الكبير بين العرب وإسرائيل، وهما في بيئة واحدة، لتأتي المحاولة -من خلال التقرير- على لسان عصام مخول بقوله: «لا يمكن أن تُطوِّر في ظل مجتمعٍ يعيش على غياب أي متنفس خلَّاق سياسيًّا وفكريًّا». وواقع أغلب الدول العربيَّة يُصادق على إجابة عصام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store