Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

ترامب يعرف السقف ويستكشف الأرض

A A
هل تجاوزت إدارة ترامب طور الاستكشاف، أم أنها مازالت تجرب

وضع قدم واحدة في المياه لتسبر غورها؟!..

هل ما نراه الآن هو عناوين تجسد ما خلصت إليه الادارة الأمريكية الجديدة، أم رسائل لاختبار النوايا وسبر الأغوار؟!

بخبرة رصد وتحليل سلوك الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فإن ما يجري هو عملية متطورة لسبر الأغوار، يتمتع من يقومون بها بمستوى أعلى نسبياً من الجسارة، مصدره الرئيسي أمران:

الأول: هو أن الرئيس الأمريكي الجديد القادم من حقول البيزنس، ليست لديه سابقة أعمال لا في العلاقات الدولية ولا في ممارسة السياسة ، ما يجعله أقل التزاماً بمخاوف ذوي الخبرات، وأكثر استعداداً لارتياد ومقاربة مناهج غير مجربة في العمل، معتمداً على ما تتيحه القوة الفائقة للولايات المتحدة من قابلية للتجربة واستعداد للمخاطرة، دون أثمان باهظة.

الثاني: أن الأطراف الخارجية (حلفاء أمريكا، وأصدقاءها، وأعداءها، وخصومها التقليديين والجدد)، جميعهم، يميلون تقليدياً الى توخي الحذر، مع كل نزيل جديد في البيت الأبيض، ما يتيح لهذا النزيل الجديد فرصة التجربة، وإمكانية سبر الأغوار، لكن النتائج، لا تكون دقيقة في كل الأحوال، فالرئيس الأمريكي الجديد، يختبر حلفاءه وخصومه في الخارج، والحلفاء والخصوم، هم أيضاً يسبرون أغوار الرئيس الجديد، ويضعونه تحت مجهرهم أغلب الوقت.

منطقياً، لا ينبغي تصور أن هناك رؤية مغايرة للسياسة الأمريكية، تجاه منطقة بعينها من العالم، فالمبادىء الحاكمة لتلك العلاقة ستظل واحدة أو متسقة، تجاه كافة مناطق التنافس أو الصراع الدوليين، ولهذا فلا ينبغي تصور أن سياسات ترامب تجاه إيران ، مثلاً، منبتة الصِّلة بسياساته تجاه روسيا والصين، أو تجاه كوريا الشمالية، فالرجل الذي يتصور أن بوسعه المضي وحده في المواجهة مع كوريا الشمالية، إن قعد حلفاؤه عن مساندته،يعتقد كذلك بقدرته في ذات الوقت على إجبار الصين على تقديم تنازلات تجارية لحساب الولايات المتحدة، وهي معادلة معقدة، وقد لا تكون ممكنة في أغلب الأحوال، لكن ترامب يراها محاولة جديرة بأن تخوضها بلاده.

مشهد الغارة الأمريكية على قاعدة الشعيراتالجوية السورية، في اليوم السابع والسبعين من رئاسة ترامب، ثم مشهد تقدم مجموعة هجوم أمريكية تقودها حاملة الطائرات فينسنت باتجاه كوريا الشمالية، في اليوم التاسع والسبعين، مصحوباً بإعلان واشنطن أنها على استعداد لخوض القتال بمفردها ضد بيونج يانج، إذا تقاعست الصين عن ممارسة ضغوط مثمرة ضد كوريا الشمالية.. هذا المشهدان لا يمكن قراءتهما في سياق رؤية إدارة أمريكية جديدة تتجه مبكراً جداً الى خوض حربين كبيرتين، وإنما في سياق رؤية رئيس جديد، يختبر أسلحته، ويمتحن إرادة خصومه، وحلفائه في ذات الوقت.

من وجهة نظر واشنطن، يبدو المسرح الإقليمي في الشرق الأوسط، أكثر قابلية لتطوير رؤية أمريكية بشأنه، عكستها مراكز تفكير أمريكية thinktank متحدثة عن أهمية وإمكانية تطويق مخطط إيراني يسعى للهيمنة في الشرق الأوسط، وطبقاً لذات المراكز الأمريكية، فإن دعماً أمريكياً للشرعية في اليمن قد يكون ممكناً بما يسهم في تطويق التطويق الإيراني، طبقاً لذات المراكز التي تنصح ترامب بدعم عملية عسكرية جارية لطرد عملاء طهران من ميناء الحديدة اليمني،ثم الدعوة إلى تسوية سياسية من شأنها أن تسهم في إنهاء أي وجود لإيران في اليمن.

وطبقاً لذات المراكز، فإنالمسرح السوري المعقَّد ربما أمكن تحقيق بعض المكاسب فوقه، اذا ما تم دعم معارضة سنية معتدلة فوق مسرح العمليات، لكن إسباغ الطابع الطائفي على الصراع في سوريا يخدم كلاً من طهران وداعش، بأكثر مما يخدم المعارضة السورية الحقيقية، لأن ما يحدث فوق الأرض بالفعل هو أن الخطاب الطائفي لا يخدم قوى الاعتدال السنية، بقدر ما يزود مكونات القاعدة وداعش بحوافز تجنيد للمزيد من الأنصار.

أغلب الظن، أن ادارة ترامب تعرفسقفها جيداً لكنها ستواصل استكشاف أرض تتحرك فوقها باختبارات لجس المياه وسبر أغوارها.

فلسفة البيزنس، بكل دوافع الربح السريع وغواياته،قد تكون غلابة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال رئاسة ترامب، وقد تفتح الباب لمغامرات أقل كلفة وأعلى ربحية، لكن الصورة لا يصنعها أي رئيس أمريكي، بمعزل عن مراكز أبحاث، وجماعات ضغط، وأجهزة لصناعة وقياس الرأي العام، ومؤشرات في أسواق المال والمعادن.

أكثر تلك المكونات تأثيراً في صناعة الخيارات الأمريكية،هو اللوبي الصناعي العسكري، الذي يزداد تأثيره بصفة خاصة كلما كان الرئيس جمهورياً لا ديموقراطياً.. خلفية ترامب الذي تنقَّل بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي عدة مرات قبل أن يترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، تبدو الآن على يمين الجمهوريين، أكثر اقتراباً من اللوبي الصناعي العسكري، ومفتاح قلبه هناك مع الصفقات التي ترضي اللوبي الأكثر تأثيراً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store