Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

المرأة.. والإفتاء (2)

A A
الوصاية المجتمعية الذكورية على المرأة منذ بداية الدولة الأموية إلى عصرنا الراهن، حالت دون وصول المرأة الفقيهة العالمة إلى الإفتاء والقضاء إلّا ما ندر، فليس من المعقول وجود هذا الكم من الفقيهات العالمات اللاتي علّمن فقهاء ومنهم من أئمة المذاهب، أمثال الشافعي وأحمد بن حنبل وابن حزم، ولا يتصدرّن للفتوى والقضاء، بل نجد أحد الفقهاء تلقَّى العلم من نساء، ورفض أن تكون إحدى شيخاته مفتية، كما نجد من الفقهاء من اشترط الذكورة في ولاية القضاء مع عدم وجود نص شرعي بذلك، وعندما ولّت أم الخليفة المقتدر العباسي (282- 320) هـ التي تولت زمام أمور الدولة لصِغَر سنه وصيفتها «ثمل» (ت: 315 هـ/928م) دار المظالم برصافة بغداد أي عيّنتها في منصب قاضي القضاة في الزمن المعاصر؛ إذ وجدت فيها الذكاء والعلم في أمور الدين، وقد استاء الناس من تعيينها، غير أنّ القاضي أبا الحسن ابن الأشناني ساعدها في تخطي رفض الناس بإبراز ثقته بها. فبدأوا يثقون بها، وعندما رأوا قدرتها على الحكم بينهم توافد إليها الناس لتحكم بينهم، وخرجت التوقيعات وعليها خطها، وكان يحضر مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان.

بعض المؤرخين وعلماء الدين كالطبري (ت:310هـ) والذي عاصر ثمل القهرمانة في بغداد، كتب بأنّ «ثمل» قامت بمهمتها خير قيام، وبأنّ رفض الناس الأوّلي لتوليها القضاء تحوّل لاحقًا إلى محبة بسبب الإصلاحات التي قامت بها.

ومن الطبيعي أن يكون بعضهم في ذلك العصر مستغربًا من نجاحها في مهمتها كقاضية، ويرون في أحكام ثمل: الشدّة، لأنّها تعدل بين الناس وكانوا يتوقعون منها أن تطلق سراح الكل، وأن لا تستطيع أن تُقيم الحد لأنّها ليست رجلًا، ويعود هذا إلى موروثاتهم الثقافية التي تربوا عليها والتي كوّنت نظرتهم إلى المرأة، مثل القاضي أبوعلي المحسّن بن علي التنوخي ذكر في كتاب «الفرج بعد الشدة» بأنّ «ثمل» كانت موصوفة بالإسراف في العقوبة.

أمَّا ابن حزم الأندلسي فقد وضع تولي «ثمل» القضاء من ضمن أحداث اعتبرها من «غرائب الدهر» في التاريخ الإسلامي، وممّا يثير الدهشة هذا الموقف من الفقيه ابن حزم، مع أنّه كان للنساء دور بارز في تثقيفه وتربيته؛ حيث علمنه القرآن الكريم والقراءة والكتابة والشعر وظلّ في رعايتهن حتى مرحلة البلوغ.

ونلاحظ هنا أنّ القاضي أبا الحسن ابن الأشناني ساعد القاضية «ثمل» في تخطِّي رفض الناس بإبراز ثقته بها، وكان يحضر مجالسها قضاة وفقهاء، ولو كان مُحرّما شرعًا ولاية المرأة للقضاء لما ساعدها القاضي الأشناني، ولما حضر مجالسها القضاة والفقهاء.

لذا نأمل من الجهات صاحبة الاختصاص أن تُولِي أمر ولاية المرأة للإفتاء والقضاء عنايتها، لتشجيعها، وتنوير المجتمع بعلمها وفقهها، خاصة وأننا نجد بعض الدول العربية والإسلامية عيّنوا قاضيات يحكمن بين الناس، فمثلًا بدأ تعيين المرأة السودانية في القضاء منذ عام 1965م، وأصبح الآن لدى السودان حوالى 89 قاضية في الدرجات العليا.. هذا وبالله التوفيق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store