Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

المرأة والسلطة في المشهد السياسي الغربي

رؤية فكرية

A A
* تُعتبر قضيَّة المرأة وكينونتها الاجتماعيَّة إحدى تجلِّيات الحضارة الغربيَّة الماديَّة،

إلاَّ أنَّ الستينيَّات الميلاديَّة من القرن الماضي، شهدت انعطافاتٍ هامَّةً في الدور الذي لعبته المرأةُ خصوصًا في الشأن السياسيِّ البريطانيِّ، ففي الوقت الذي أطاحت فضيحة بروفيومو Profumoوزير الحربيَّة بحكومة كالاهان، وكان هذا السقوط عاملاً مؤثِّرًا في صعود حكومة عماليَّة بزعامة هارولد ويلسون 1964-1970م الذي ظلَّ لغزًا عصيًّا على الفهم حتَّى بعد رحيله، وخصوصًا لجهة علاقته بسكرتيرته الخاصَّة مارسيا ويليامز Williams، حيث يذهب بعضُ المتخصِّصين في الشأن السياسيِّ البريطانيِّ بأنَّه لم يكن بإمكان ويلسون الصعود إلى زعامة حزب العمَّال في عام 1963م، ثمَّ برئاسة الوزراء عام 1964م من دون وجود هذه المرأة «مارسيا» في حياته، حيث ظلَّت مسؤولةً عن مكتبه الخاص منذ حرب السويس عام 1956م، وحتَّى استقالته المفاجئة عام 1976م، ومع أنَّه عمل قبل رحيله على منحها لقب Ladyكعضو في مجلس اللوردات، إلاَّ أنَّه في مذكراته الخاصَّة أغفل الإشارة إليها كليَّةً.

* في عام 1970م، فاز إدوارد هيث Heathبالانتخابات، وكانت المرأة الوحيدة في حكومته هي مارجريت تاتشر، والتي كلَّفها بحقيبة التَّعليم، ولكن المفاجأة الكبرى كانت أنَّه بعد خسران هيث لانتخابات عام 1974م، وجدت تاتشر، وبعد اعتذار معلِّمها اليهوديِّ كيث جوزيف Josephعن الترشُّح لزعامة حزب المحافظين، وجدت نفسها مدعومةً، خصوصًا من التَّيار اليهوديِّ داخل الحزب للترشُّح لزعامة المحافظين، وفي عام 1979م، وبعد سقوط حكومة جيمس كالاهان العماليَّة، استطاعت أن تحقق أغلبيَّةًفي مجلس العموم، ولتعمل من خلال هذه الأغلبيَّة على تطبيق برنامجها الاقتصاديّ المعتمد على أفكار الاقتصادي ‏ MiltonFriedman ، ومن أهمِّبنود هذا البرنامج هو «الخصخصة»، ومن خلاله استطاعت جذب الصوت العماليِّ، والذي استطاع أن يتملك منزلاً خاصًّا بعد عقود من الوعود العماليَّة اليساريَّة، والتي يمكن وصفها بأنَّها فاشلة.

* ولميأتِ عام 1983م، وفوز تاتشر برئاسة الوزراء للمرَّة الثانية إلاَّ ويجد المتابع للشأن البريطاني بأنَّها استطاعت تحقيق أغلبيَّة تزيد عن مئة مقعد؛ ممَّا اضطر وزير خارجيتها -آنذاك- فرانسيس بيم Pymإلى رفع صوته زاعمًا بأنَّ أغلبيَّةً كهذه «144» هي خطر على النهج الديموقراطيِّ.

* كان فوز تاتشر بتلك الأغلبيَّة يعود لضعف المعارضة التيكان يقودها الصوت اليساريّ المتميَّز بالبلاغة والتأثير، وربما كان الوحيد الذي يتحدَّث في البرلمان دون وجود مدونة أمامه، وهو مايكل فووت، ولكنَّه لا يستطيع مجاراة زعيمة مثل تاتشر؛ لعامل السن، إضافة إلى عدم تقبُّل قطاع كبير من المجتمع البريطانيِّ للأفكار اليساريَّة، إلاَّ أن تاتشر في المرحلة الثالثة من مسيرتها السياسيَّة بدأت تتصرَّف في سلوكيَّاتها مع زملائها في الحزب بصلفٍ وغطرسةٍ كبيرين؛ ممَّا أدَّى إلى استقالة وزير ماليتها ذي الجذور اليهوديَّة نايجل لاسون Lawson، ووزير ماليّتها وخارجيّتها السابق جيفري هاو، وكان مجرد تقديم الاثنين لاستقالتيهما في البرلمان مدعاةً للتشمُّت من مناوئيها داخل الحزب وخارجه؛ ممَّا أدَّى إلى ضغط داخلي لرحيلها، وهذا ما فعلته عام 1990م، بعد تصريح موجز، وكانت تقاوم بصعوبة دموعها.

* حزب المحافظين اختار بعد استقالة كميرون امرأةً لتقوده، وهي تيرزا ماي TheresMay في مرحلة بالغة الحساسيَّة، وهي مرحلة الطلاق البائن بين بريطانيا والاتِّحاد الأوروبيِّ، وقد أعطاها ضعف زعيم المعارضة جيرمي كوربين Corbynدفعةً قويَّةً لتحلَّ البرلمان، وتدعو لانتخاباتٍ تشريعيَّةٍ بعد تصويت بلغ 522 صوتًا. وإذا كانت الأغلبيَّة التي ورثتها عن كميرون لا تبلغ ثلاثين صوتًا، فإنَّها تطمع لرفعها إلى خمسين أو ستين صوتًا؛ لتتمكَّن من تمرير إجراءات الانفصال عن الشريك الأوروبيِّالسابق، وسوف تثبت المرحلةُ المقبلة إذا ما كانت ماي سوف تقفو أثر تاتشر، فتتغلَّب الحاسَّة النسويَّة المقترنة بالغطرسة لديها على نزعة الحكمة والرؤية، أم ستكون حكيمةً، فتكسب الذين وقفوا إلى جانبها منذ صعودها لزعامة الحزب، ويتطلعون إلى أن تعاملهم برفق وأناة، وليس كما فعلت تاتشر -يومًا- حين رفعت صوتها مردِّدة: «لا... لا... لا».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store