Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

أعراض انسحابية

A A
القديم يعود، والجديد ينسحب، كيانات عملاقة تتفكك، ووحدات استغرق دمجها عشرات السنين، يجري تفتيتها، دول تتلاشى، واُخرى تتفكك، خرائط تتبدل، وحقائق جديدة تنشأ، العالم لم يعد كما كان، لكن البشر يظنون أنهم مازالوا على ما كانوا عليه.

أين الحقيقة؟!.. أين مواطئ الأقدام الآن؟!.. الى أين سوف تمضي الخطى في المستقبل القريب جداً؟!..

لا أحد يملك اليقين بشأن المستقبل، لكن هذا لا يعني التسليم بقانون « على حسب الريح ما يودي»، فالدول والشعوب والحكومات لا يملكون ترف الاستسلام للريح في عالم تجتاحه رياح تغيير غير مسبوقة.

خيارات الشعوب في الغرب تتحرك باتجاه اليمين التقليدي، ومعها تعود حكوماتها الى سياسات اليمين التقليدي العتيقة.

أمريكا التي خاضت معارك تحرير التجارة الدولية من أجل استباحة الأسواق العالمية، تعود مجدداً الى تبني سياسات حمائية، تبناها الرئيس دونالد ترامب، بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية ( نافتا) التي تضم أمريكا وكندا والمكسيك، وكان قبلها قد انسحب من اتفاقية مماثلة لدول آسيا والباسيفيك ( إيبك)، بينما شرعت بريطانيا في تطبيق سياسات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي( بريكست)، فيما صوَّت أكثر من خُمس الفرنسيين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لصالح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ، وسط توقعات بحصولها على نحو أربعين في المائة من أصوات الناخبين في جولة الإعادة، أي أن المزاج العام في فرنسا التي وضعت مع ألمانيا البذرة الأولى للاتحاد الأوروبي مطلع خمسينيات القرن الماضي، بات هو أيضاً يبدي ميولاً انسحابية خارج الاتحاد الاوروبي، تحت دعاوى وطنية، ظن كثيرون حول العالم أن آلة العولمة قد سحقتها.

ما نراه إذن حولنا في أوروبا وأمريكا والشرق الأقصى، هو أعراض انسحابية، سوف تصاحبها بالضرورة تقلصات وتشنجات عصبية، تنعكس أحياناً في شكل سباقات تسلح، أو صدامات بالوكالة أو حتى حروب مباشرة بين أطرافها.

أخطر تلك الحروب تلوح نذرها في الشرق الأقصى حيث بلغ التصعيد مبلغه، بين الولايات المتحدة وبين كوريا الشمالية.

الكوريون الشماليون يقولون: كنا في حالنا، لم نذهب لقتال أمريكا، لكننا فوجئنا بإدارة الرئيس ترامب، تحرك أساطيلها تجاهنا بقصد إضعاف دولتنا.... نحن إذن في حالة دفاع عن النفس!!)

والأمريكيون يقولون إن تهديدات كوريا الشمالية لجيرانها في كوريا الجنوبية واليابان قد دخلت طوراً يستوجب التصدي الفوري له ولو بالقوة.

يعوِّل الكوريون الشماليون كثيراً، على خوف كل من الصين وروسيا من انعكاسات ضربة أمريكية لبيونغ يانج على توازن القوى الإستراتيجي في الشرقين الأقصى والأوسط، بينما يعول الأمريكيون على مصالح صينية مؤكدة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة في الوقت الراهن على الأقل.

أمس الأول في واشنطن، توقفت في البيت الابيض حافلة رحلات تقل أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذين استقبلهم رجال البنتاجون وقادة أسطول الباسيفيك، حيث أطلعوهم على طبيعة التهديدات النووية الكورية للولايات المتحدة، وكذلك على الاستعدادات الأمريكية للرد على تلك التهديدات. قال جنرالات أمريكا لشيوخها الذين نقلتهم حافلة كبيرة الى البيت الأبيض، إن تهديدات كوريا الشمالية بضرب هاواي الأمريكية، هي تهديدات حقيقية، وأطلعوهم، على استعدادات البنتاجون لصد الهجمات الصاروخية الكورية، وقال لهم أحد الجنرالات بثقة: « سوف نسقط أي صاروخ كوري لحظة انطلاقه.. اطمئنوا.. ما يطير سيجري إسقاطه»

الزيارة غير المسبوقة، وما جرى إطلاع أعضاء مجلس الشيوخ عليه، يشيران الى أن العالم قد يكون بصدد تصعيد غير مسبوق في الشرق الأقصى، تعرف الولايات المتحدة كيف تستثمره لتطويق نفوذ صيني متصاعد في مياه الشرق الأقصى، زحفت معه الصين بجزر اصطناعية الى تخوم حلفاء واشنطن في اليابان وكوريا الجنوبية. بينما تميل بكين الى إبطاء إيقاع الأزمات في المنطقة ريثما تدفع الى المنطقة بحاملة طائرات صينية جديدة تماماً.

اليمين يزحف على العالم، مستدعياً معه كل سياسات الماضي، بينما يتراجع زمن العولمة، فيما يخوض أغلب شعوب الشرق الأوسط صراعاً مع قوى الماضي من أجل مجرد البقاء.

أثق في حتمية انتصار شعوب منطقتنا على قوى تستدعي الماضي لقمع المستقبل، لكنني لا أعرف إن كانت شعوبنا تدرك ماهية العلاقة بين نذر الصراع في الشرق الأقصى وبين مآلات الصراع في الشرق الأوسط؟!.. وإن كانت تتحسب لها من عدمه؟!..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store