* وداعاً سيدي وأستاذي وأخي وصديقي أبا سلطان.. وداعا يا من رحلت مبكراً عن عالم لم يتوافق مع إنسانيتك المفرطة، ولا مع قلبك الكبير الذي كان يصنع الفرح والبهجة أينما حل، رغم شدة مرضه وآلامه.. وداعاً يا من أكدت أن القلوب المخلصة والصادقة لا تموت، حتى إن اعتلّت، أو توقفت عن النبض تماماً.. ذلك لأنها تعيش داخل قلوب من أحبوها، وتستمد الحياة من شرايين من تعلموا منها العطاء والإحسان.. وسيبقى قلبك أيها المحسن الكبير مرفرفاً فوق حقول الخير، والكرم، والنزاهة، والتسامح التي زرعتها في كل شبر مررت به.
* لا أعرف لماذا كنت أبحث عنك - كل ساعة تقريباً - بين تلك الجموع التي جاءت لتوديعك، ربما كي أريك يا صاحب اليد الندية والخلق السامي ثمار ما غرست في هذه الدنيا من أثر جميل رغم عمرك القصير، وربما لأؤكد لك ما قاله الإمام أحمد عن أمثالك من الخيّرين إن الموعد بالفعل هو (يوم الجنائز).. ففي ذلك اليوم لم تحملك الأيادي؛ ولا حتى الأعناق، بل طارت بك القلوب إلى ثرى محبوبتك (طيبة)، البقعة التي تشبهك في نورانيتها وطهرها، والتي كانت نفسك تهفو إليها دوماً، فجاءت المشيئة الإلهية بأن تدفن في بقيعها بجوار سيد خلق الله أجمعين.
* أكتب لك اليوم يا سيدي بذات الحروف التي علَّمتني إياها قبل المدرسة.. مصحوبة بذات الدعوات والأمنيات الصادقة التي كنت تصبها في أذني، وأنت ترسم لي طريق القراءة وتحثني عليه، فليرحمك الله بعدد حروف ما أهديتني من كتب، وليغفر لك الله بعدد ما قرأت من أسطر، وأنت القارئ العاشق، والمثقف الزاهد في الأضواء.
* تقصر الكلمات عن رثائك أبا سلطان، لكن عزاؤنا فيك ما قاله جارك وحبيبك وشفيعك بإذن الله: «رأيت قوماً من أمتي على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق الخاطف، نورهم تشخص منه الأبصار، لا هم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا هم بالشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس». اللهم اغفر لأخي وارحمه، وعافِه، واعفُ عنه، وأكرم نُزُله، واجمعنا به في مستقر رحمتك.
وأنْتَ، وَإنْ أفْرِدَّتَ فِي دَارِ وَحْشَةٍ
فَإنِّي بِدَارِ الأنْسِ فِي وَحْشَةِ الفَرْدِ
أوَدُّ إذَا مَا المَوْتُ أوْفَدَ مَعْشَرَاً
إلَى عَسْكَرِ الأمْوَاتِ، أنِّي مِنَ الوَفْدِ
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةً
وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
