Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله فراج الشريف

وجوب الحذر من هذا الخطاب

A A
إنَّا نمسكُ بالأقلام منذ زمن؛ لنحذِّر من خطابات تُوجَّه لأفراد مجتمعاتنا، نظنَّ أنَّها تضرُّ بها، ومن هذه الخطابات التي يشتدُّ التحذير منها -كما نقرأ ونسمع- هو ما سمَّاه البعض بالخطاب الديني، والذين يحذِّرون منه -في الغالب- لا علاقة لهم أكيدة بكلِّ علوم الدِّين، وهم طبعًا لا يعنون خطابًا يتبناه أدعياء لا علاقة لهم بعلم الدِّين حقيقةً، أو هم على علم بقشور من علمه، ويتبنون أقوالاً تسيء إليه، في صفة غلوٍّ شديدٍ في أحكامه، تنفِّر الناس منه، فهؤلاء خطابهم ظاهرُ الفساد، ينكره حتَّى عامَّة المسلمين، ولكنَّهم يرون أنَّ خطاب الدِّين الذي هو خطاب الله لعباده، يبلِّغهم به أحكامه، والتي هي نصوص الوحي الشريف، سواء ما جاء في القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبويَّة الصحيحة، والتي لا يعرف هؤلاء التمييز بين صحيحها، وبين موضوعها، وإنَّما يهرفون حولها بما لا يعرفون، وهم الذين اليوم -وللأسف- مَن يتصدَّرون وسائلَ الإعلام للدعوة إلى تجديد الخطاب الدِّيني، وهم لا يدركون بجهل، أو عن عمد خبيث ما الخطاب الذي يريدون تجديده، أهو ما قاله بعض أهل العلم، وأخطأوا فيه، وتعقبهم العلماءُ فصحَّحوه لهم عبر العصور، أم هو خطاب الدِّين نفسه الوارد في نصوصه؟ فقضيتهم في الغالب، هي فيما حرَّم الله، فالكثيرون منهم يرون أنَّ أحكام الدِّين قيود على تصرُّفاتهم، وهم لا يستطيعون الإعلان عن عدم رغبتهم في تطبيقها عليهم، فما دام أنَّ مصطلح تجديد الخطاب الدِّيني قد شاع، فما عليهم لو نادوا به، وهم في الحقيقة لا يدركون معنى صحيحًا لتجديد الدِّين الوارد بنصٍّ وهو ما رواه أبوداود في السنن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يبعثُ علَى رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ مَن يجدِّد لهذِهِ الأمَّةِ أمَرَ دينِهَا)، وحتمًا لا يكون معناه أن يجدّد الدِّين بإبطال بعض أحكامه، أو الادِّعاء بعدم صحَّتها، ولكن فهم هذه النصوص عند بعض مَن يتعاملون معها، قد يعتريه خطأ فيصحِّح لهم العالمون بالدِّين ما وقعوا فيه، وقد ينحرف الناس عن بعض هدي الدِّين، فيأتيهم من علماء الدِّين مَن وفقه الله لبيان ما وقعوا فيه من انحراف، فيردهم إلى صحيح الدِّين الذي ثبت بصحيح أدلته، وأمر هذا التجديد موكول إلى مَن علم الدِّين علمًا صحيحًا، لا إلى المتطفلين على موائده بلا علم، الذين يهرفون بما لا يعلمون، فهؤلاء بتطفلهم على العلم الدِّيني يفسدونه ولا يجدِّدونه، وها نحن في زمان نقرأ فيه بأقلامهم إنكار ما علم من الدِّين بالضرورة، وإنكار ما لا يختلف عليه المسلمون، والدافع لذلك هوى النفس المُضل، الذي حذَّرنا اللهُ منه حيث قال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى* فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)، ويقول: (فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا)، ويقول: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، ووجدنا معاني هذه الآيات تهزّ الضمائر الحيَّة، فلا تجعل المؤمنين مرضى الهوى، بل هم من يتبعون ما أنزل الله، ويفهمونه على وجهه، وكما أنزل الله، وكما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقلَّ ما هم في هذا العصر، الذي شاع فيه اتِّباع الهوى، وأصبح له دعاة يتجرّأون بالقول على الله بلا علم، وخطاب هؤلاء هو ما يجب أن يُصحَّح ويُجدَّد بما يعيدهم إلى الصراط المستقيم، لا خطاب الله الذي كلف عباده به بأحكام دينه، وبما فهم منه العلماء المتخصِّصون في علمه، والذين هداهم الله إلى صحيح فهمه، والذين تركوا من المصادر العلميَّة في أحكام الدِّين، ما يعرف كل عاقل ما حملت من العلم بالدِّين، الذي مرَّ عليه قرون عديدة ينمو ويتفرَّع، وخدمه علماء بارزون بالدِّين راسخون في علمه، لا هؤلاء الذين يتمنون لو أبطلوا أحكام الدِّين اتباعًا لأهوائهم؛ ليبيحوا ما حرَّم اللهُ، وليحرِّموا ما أحلَّ الله، وهم -ولا شك- لن يحققوا غاياتهم، فقد سبقهم من هو أشدّ منهم عداءً لهذا الدِّين الحنيف، ويملكون من العلم به، والفهم لنصوصه ما لا يملكه هؤلاء، ولكن أهل العلم والإيمان اكتشفوا ضلالاتهم، وما يسعون إليه من الانتصار للهوى المُضل، ولم يبقَ منهم إلاَّ فضائحهم مرصودة في مراجع للعلم الدِّيني، نقرأها اليوم ونرى أنَّها تنطبق على هؤلاء تمام الانطباق.
فاللهم ارزقنا علمًا صحيحًا للدِّين، وارزقنا اتِّباعه، فذاك ما نرجو أن تهدينا إليه ربنا، أنت مولانا، وأنت نعم النصير لدينك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store