Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

محاسبة أمثال هؤلاء

A A
البعضُ من بني البشرِ، تركُوا أغلبَ تعاملاتِهم الحياتيَّةِ؛ وفرَّغُوا أنفسَهم، وجهودَهم، وأوقاتِهم للنَّيلِ من هذا، والشَّكوى ضدَّ ذاكَ، وترويجِ الشائعاتِ، واختلاقِ الأكاذيب على ثالثٍ ورابعٍ ، لا يرفُّ لهُم جفنٌ، ولا يجدُونَ حرجٍاً، بل يتباهُونَ بذلكَ، وكأنَّهم أتوا برأسِ كُليبٍ.

لهكذَا نفسيَّاتٍ أسبابٌ: في مقدِّمتِهَا التنشئةُ،والبيئةُ التي نشأوا فيهَا، بعضُهم تكونُ الضائقةُ الماليَّةُ، وحالةُ الفقرِ سببًا في نقمتِهِ علَى كلِّ نجاحٍ، كمَا أنَّ فقْدَ أحدِ الأبوينِ، والتنشئة في بيئةٍ بعيدةٍ عن التوجيهِ والإشرافِ والمتابعةِ، تخلقُ روحًا متمرِّدةً تكرهُ كلَّ شيءٍ حتَّى ذاتها. والفشلُ الذاتيِّ في تحقيقِ النجاحِ يحوِّل صاحبَه إلى ناقمٍ وحاقدٍ، لا يتركُ فرصةً، ولا لحظةً إلاَّ ويتابعُ بدقَّةٍ وشراهةٍ، وروحٍ بغيضةٍ مسيرةَ الناجحِينَ، والمقبولِينَ، والمحبوبِينَ في المجتمعِ.

كلُّ هذِه النفسيَّات، وإنْ كانَ علماءُ النفسِ والاجتماعِ يصفونَها بالمَرَضيَّة، إلاَّ أنَّها تكويناتٌ فيروسيَّةٌ تتمدَّدُ وتتوسَّعُ في كلِّ الاتِّجاهاتِ، وبغيرِ ضابطٍ، ولا تنفعُ معَها المهدِّئاتُ، ولا الإرشاداتُ، ولا الأدويةُ، بل هي كالسرطاناتِ تحتاجُ إلى بترٍ كاملٍ، وكيٍّ كيماويٍّ متواصلٍ.

المؤسفُ أنَّ وضوحَ هذَا العلاجِ لا تقوم به لا المؤسَّساتُ والأجهزةُ الرسميَّةُ المعنيَّةُ، ولا المجتمعُ، فأصحابُ الشَّكاوَى الكيديَّةِ ومترصِّدِو الشائعاتِ، وصانعِو الأكاذيبِ، يجدُونَ لهم متَّسعًا، بل وأحيانًا قبولاً خاصَّةً في وجودِ وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ (السوشال ميديا) فلو أنَّ الجهاتِ التي تستقبلُ الشكاوَى ويتَّضحُ لها كيديَّتها تحاكمُ وتحاسبُ أصحابَها، لمَا جرؤ بعدَها أحدٌ على الشَّكوى إنْ لمْ يكنْ لديه دليلٌ. ولو أنَّ مروِّجي الشائعاتِ ومختلقِي الأكاذيبِ وجدُوا محاسبةً مباشرةً، وبدون انتظارِ شكوَى أو تظلّم ممَّن تطالُهم تلكَ الشائعاتُ والأكاذيبُ، لمَا أقدمَ أحدٌ من أصحابِها على تكرارِها والتمادِي في نشرِها.

أعلمُ جيدًا أنَّ هناكَ قوانينَ وضعتْ لمثلِ هذِه الحالاتِ لكنَّها قوانين محفوظةٌ في الأدراج والكراسات لا تتحرَّكُ إلاَّ بعدَ شكوَى، أو تذمُّرٍ من قِبل الضحايَا، لا بمبادرةٍ لتطبيقِها، فلمْ أعرفْ يومًا جهةً، أو مؤسَّسةً حقوقيَّةً، أو أمنيَّةً، أو قضائيَّةً تحرَّكت من ذاتِها، وهُو ما يخالفُ روحَ إيجادِ وسَنِّ تلكَ القوانين، فهِي لمْ توجدْ لتُحفظَ في الكتبِ والكمبيوتراتِ، بل لتطبَّق وتُنفَّذ كواقعٍ معاشٍ يلمسُه الكبيرُ والصغيرُ، وتوقفُ وتئدُ بقوَّةٍ كلَّ حاقدٍ وحاسدٍ، ومبغضٍ ومترصِّدٍ، وذي نفسيَّةٍ مريضةٍ؛ ولتحمي الناجحُينَ وتحفزهم على مواصلة أعمالَهم، إفادة للوطن وأهله .

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store