Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد أحمد مشاط

صور الماضي أم تطلعات المستقبل

الكلمات فواصل

A A
مع أنَّ الزمنَ قد تغيَّر كثيرًا، وتغيَّرت مُسلَّماته الحياتيَّة (غير الدينيَّة)، إلاَّ أنَّ كثيرين ما يزالون يتشبَّثون بالماضي، مع أنَّ الحاضرَ وتطوُّر وسائله، وخدماته، وعلومه، وحضارته، واقتصاداته هي أكثر فائدة، وحيويَّة، وسرعة، واتِّساعًا.

هذه هي حالة من «النوستالجا»، أو الاشتياق إلى الماضي التي تتلبَّس بعضنا، ومن المستحيل رجوعه واستعادته. إنَّه ذكرى في الأذهان، وصورة طُبعت فيها، ومن الصعب محوها، وكذلك من المستحيل إعادتها حقيقة ماثلة. فكثيرون يستعيدون مواقف كانوا يشقون فيها، ويبذلون فيها جهدًا شديدًا، أو يستحضرون حالات بائسة كانوا يعيشونَها، فيحنُّون إليها، مع أنَّ حاضرهم هو أكثر سعادةً لهم، وأيسر عيشًا.

لا تدري ما هو الحافز على ذلك التفضيل للأدنى على الأعلى، أو الأشقى على الأسعد، أو المتخلِّف على المتطوِّر؟ هل هو قصور في إعمال العقل؟ أم هو ذلك التَّوق إلى الشيء الذي لا يمكن استعادته، والذي لا يقتصر على الصورة الذهنيَّة فقط، بل يشتمل على جزءٍ كبيرٍ من أحاسيس المرء في تلك المواقف، فيستعيد أيضًا العمر الذي انقضى من عمره.

إنّها صورةٌ مُعقَّدةٌ يُجسِّدها المرءُ في ذهنه لكلِّ الأزمنة التي عاشها، والصداقات التي فقدها، والأماكن التي رحل عنها؛ لتُصبح خيالاً يُشبه الحلم، أو التمنِّي الذي لا يمكن تحقيقه. إنَّه خيالٌ فيما لا يمكن تحقيقه في أرض الواقع، بل يظلُّ خيالاً من غير الممكن العيش فيه، أو أن يتاحَ له إمكان التجسُّد على أرض الواقع!

وبالرغم من أن ذلك الماضي السحري يستمدُّ جاذبيَّته والتَّوق إليه من امتزاج شخصيَّة الإنسان فيه، والمشاركة في صنعه، إلاَّ أنَّ الحاضر -بكلِّ تحدِّياته وتطوُّره- يظلُّ أكثرَ رفاهيةً وجاذبيَّةً، وكذلك يظلُّ المستقبلُ -بما يحويه من تطلُّعاتٍ وأهدافٍ وأمانٍ- أشدَّ منهما سحرًا ومتعةً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store