Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الاستهانة وتكريس فلسفة المهانة!

إضاءة

A A
يبدو كما هو واضح، ويتَّضح كل يوم، أنَّ ثمة غِلاً دفينًا في نفوس مجموعة من مدَّعي الفكر والتأريخ والثقافة تجاه الفتوحات الإسلاميَّة، بدءًا من عمرو بن العاص، ووصولاً لصلاح الدين الأيوبي! لقد وقف هؤلاء قبل فترة مطالبين بمحو المواقع الحربيَّة في تاريخ الإسلام من المناهج الدراسيَّة؛ باعتبارها أعمالاً منافيةً للإنسانيَّة! فلمَّا سكت القوم عنهم، راحوا يسبُّونَ في الفاتحين المسلمين، وينعتونهم بنعوت « تحقيرية» بدعوى أنهم «إرهابيون»!

قال لي معلم (يعمل في مدرسة صلاح الدين الأيوبي للبنين بالقاهرة): إنَّ تلميذًا سأله عن موعد تغيير اسم المدرسة، بعد أن سمع أحدهم في التلفزيون يحقِّر من شأن بطولات صلاح الدين الأيوبي، زاعمًا أنّ ما كُتب عنه، وعن معركة حطين «كلام فارغ»!

ولأنَّ الطفح التلفزيونيَّ يتواصل كل ليلة، فقد انتقل زعيم سلاطين الزيف، وكهَّان الكلمة والحرف، من سبِّ صلاح الدِّين، إلى شتم وتجريح الظاهر بيبرس، وسيف الدين قطز، وكلِّ مَن تصدَّى للصليبيين، أو المغول والتتار، وكأنَّ بينه وبين الفاتحين المسلمين «تار بايت»!

بالمناسبة كم مدرسةً وشارعًا وحيًّا في المدن العربية، وليس في القاهرة فقط، أُطلق عليه اسم صلاح الدين؟ كم معسكرًا، أو فيلقًا، أو تدريبًا، أو مناورةً حربيَّةً أُطلقت عليه، أو عليها أسماء الفاتحين المسلمين؟!

والحقُّ عندي أنَّ مثلَ هؤلاء يستهدفون من وراء حملاتهم المتواصلة على الفاتحين المسلمين، تكريس فلسفة المهانة والذل والاستكانة، بحيث يقتنع النشءُ بجواز الانحناء، ثمَّ بضرورةِ الانحناء، ثمَّ بحتميَّة الانحناء، ثمَّ الانحناء بلا سبب!

مثل هؤلاء يروِّجون بين النشء لعدم جواز الغضب، حتَّى وإنْ رأوا وطنًا يُغتصب، حيث لا مانع من التفريط في الدِّين، وفي الأرض، وفي العرض! أمَّا الدروس التي ذاكرها الطلاب في الكتب، فليست سوى للكتب، ثمَّ إنَّها محضُ خيالٍ وكذب!

لاحظ معي هنا أنَّ الذين أهانوا بالأمس فتحَ الأندلس، هم الذين يهينُونَ ويقزِّمُونَ فتحَ القدس! الذين ينكرُونَ، أو يسخرُونَ، أو ينفُونَ معركةَ «حطين»، هم الذين ينفُونَ اليومَ وجودَ المسجدِ الأقصى، ويشكِّكُونَ في أحجار فلسطين! فلا بيبرس انتصر، ولا قطز.. ولا مانع عند هؤلاء الغارقين في عارِ الوحول، من الدِّفاع عن هجومِ وإرهابِ الصليبيين القدماء، والتتار، والصهاينة، والمغول!

وأبدًا.. أبدًا ليست صدفةً، وليست استضافتهم من قبيل الإلهاء، أو السعي للشهرة، أو حتَّى البلبلة! إنَّهم يواصلُونَ زحفهم المقدَّس نحوَ هدمِ تراث وتاريخ ورموز الأمَّة، في زمن الدجلِ والكذبِ والظلمةِ!

مثل هؤلاء يريدُونَ -باختصارِ- الإيعاز للصغار بأنَّه لم يعدْ في الجندِ.. جند الأمَّة مَن يستلّ سيفًا للدِّفاع عن الأرض، ولم يعدْ بينَ الرجال مَن يرد العارَ، وينافح عن العرضِ!

لقد سعى هؤلاء -ويسعون بدأب- لبناء عقولٍ من قشٍّ، في محاولةٍ لمحو تاريخ وتراث الأمَّة بالكذبِ، وبالتدليسِ، وبالغشِّ! ولأنَّ أحدًا لم يتصدَّ لهم، فقد خرجُوا من دائرة الهمس؛ شوقًا لخرابِ ودمارِ، وبلاد لا تشرقُ منها شمسٌ!

الحقُّ عندي أنَّ مثل هؤلاء لا ينتشرون إلاَّ في زمن الهراء، حيث الساحة مهيَّأة للنظريّات الخواء!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store