Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

مجلس التعاون.. تحولات المنظومة والمصطلح

A A
ارتبط مصطلح (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) بالدول الست الأعضاء التي تُشكِّل منظومتَهُ السياسيةَ منذ قيامه سنة (١٩٨١م) لأسباب جيوسياسية تطلبتها تلك المرحلة. واليوم وبعد مضي ما يقرب من أربعة عقود أرى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذا المصطلح؛ فدِلالته تشي بأن (الدول العربية) المطلة على الخليج العربي (جميعها) منضوية تحت هذا المجلس، في حين أن العراق -وهي دولة عربية تطل على الخليج العربي- ليست ضمن منظومته، وهذا يؤكد أن المصطلح غير دالٍّ، وأن استبداله بمصطلح آخر دال أصبح في حكم الضرورة. هذا من ناحية، من ناحية ثانية ونتيجةً لهيمنة مصطلح مجلس التعاون لدول الخليج العربية -كون المرحلة السياسية الماضية كانت تتطلبه- فهذا بدوره أدى لحالة انزياح في بعض المصطلحات، فتلاشى على إثر ذلك مصطلحٌ تاريخيٌّ أصيلٌ درجت عليه الأجيال المتعاقبة عبر الحقب التاريخية وهو مصطلح (الجزيرة العربية). من ناحية أخرى أهم، فالمصطلح -كما أسلفتُ- اقتصر على بعض الدول العربية المطلة على الخليج العربي، وهو ما جعل اليمن -وهي الجزء الأصيل بمقوماتها البشرية والمادية وتاريخها الممتد وحضارتها العريقة- خارج إطار مجلس التعاون كونها لا تطل على الخليج العربي. لذا فإن الظرف التاريخي الحاضر يحتم إعادة النظر في هذا المصطلح، وقبل ذلك إعادة النظر في الدول المنضوية تحته؛ فبقاء اليمن طوال العقود الماضية خارج إطار مجلس التعاون جر على المجلس حالات من القلق وعدم الاستقرار حينما اهتم المجلس بحماية صدره وغفل عن تعزيز ظهره ممثلاً في اليمن التي أصبحت قصيَّةً بين شقيقات الدِّين واللغة والدم، في حين أنها جزء لا يتجزأ منها بوصفها الأصل والظهر، وكل ذلك بسبب مقتضى ذاك المصطلح، فكان من أمر عدم دخولها في المجلس أن شهدت حالاتٍ من الاحترابِ الداخليِّ، وفتنًا طائفيةً، وتواجدًا للمنظمات الإرهابية، ومن ثم أصبحت مطلبًا للمتربصِين بدول المجلس، فاحتضنها أولئك المتربصون وأغروها بشيء مما يرضي طموحها ويخفف وحدتها، فكان أن ناصبت قيادتُها المخلوعةُ وانقلابيوها العداءَ دولَ مجلسِ التعاون، وهو الأمر الذي استدعى تدخل أغلب دول المجلس -وفي مقدمتها المملكة- ضمن دول التحالف العربي لإعادة الشرعية والاستقرار لليمن، وهو ما تطلب منها الكثير من البذل، وأدى لانشغالها عما هو أولى في أجندتها. ما ينبغي أن تأخذه دول مجلس التعاون على محمل الجد هو ضرورة دخول اليمن -بعد عودة الاستقرار وبسط الحكومة الشرعية يدها عليها- إلى منظومة المجلس دون تردد أو تسويف؛ فاليمن دولة ذات عمق تاريخي، وموقع استراتيجي، وذات موارد اقتصادية ضخمة لكنها معطَّلة أو مهدرة، ولديها شعب عظيم ذو طاقة هائلة، وعقلية واعية، خصوصًا وهناك مساعٍ لانضمام دول أخرى للمجلس هي أبعد (جغرافيًّا) من اليمن. ولنا في (الاتحاد الأوروبي) مثال حي، ففي منظومته اليونان مع أن اقتصادها في الحضيض، ولا تُقارن بالدول الأوروبية العظمى. مؤمَّل في قادة دول مجلس التعاون أن يسعوا جادِّين لضم اليمن إلى منظومة المجلس؛ ليقطعوا الطريق على المتربصِين، وليضعوا حدًّا لقلقٍ استمر يتصاعد طوال أربعة عقود هي عمر المجلس، وليستفيدوا من القوة المهدرَة التي تتمثل في الشعب اليمني الشقيق وثروات بلاده غير المستغلة نتيجةَ حالةِ عدم الاستقرار التي تشهدها اليمن. ولْيتوِّج قادةُ المجلس انضمامَ اليمن بإعادة صياغة المصطلح بحيث يصبح (مجلس التعاون لدول الجزيرة العربية) فهو الأصل والأعرق والأوجه والأوفى بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولربما جاءتِ النتائج مدهشة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store