Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سالم بن أحمد سحاب

الطفلة فاطمة: شاهدة أخرى!

ملح وسكر

A A
عشرون رصاصة متتابعة، مزَّقت جسد الطفلة المراهقة فاطمة حجيجي، ذات الستة عشر ربيعًا؛ بحجة أنَّها كانت تحمل سكينًا لتهاجم به جنود الاحتلال الغاشم الظالم في مدينة رام الله الفلسطينية. عن الحادثة قال عمها محمد حجيجي: (مزَّق الجنودُ جسدَها بعشرين طلقة، فتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة عليها، ومزَّقوا جسدها الصغير).

تذكرت عندها الطفل محمد الدرة الذي قُتل على يد ذات الجنود المحتلين قبل 17 عامًا، وهو أعزل في حضن أبيه. وتذكرت كيف ماجت الجماهير العربية في كثير من دول العالم العربي والإسلامي، معبِّرين عن غضبهم الشديد لما حدث في ظل النظام العربي الذي شجب وندَّد، وأرعد وأزبد، ثم هدأ وسكت وصمت.

ومع أن كارثة الشابة فاطمة أشد وأنكى، فإنَّ الصمت العربي هو اليوم أشد وأنكى! لقد انتكست كل القيم الشكلية التي كان بنو يعرب يُحسنون استخدامها من شجب واستنكار وتنديد، وانتكست معها كل الاهتمامات السابقة بالقضية الفلسطينية، والتي كنَّا نصفها دائمًا بأنها قضية العرب والمسلمين الأولى، فإذا هي اليوم تفتقد ذلك المركز المتقدم، ولو شكلاً لتصبح القضية رقم 10 أو 20، مع تباين واضح حول كيفيَّة معالجة القضية بدءًا بمن يُمثِّلها، وانتهاءً بآلية دعمها.

هذا الصمت المطبق ناتج عن تمزق عربي على معظم الأصعدة، حتى القضايا الجوهرية الواضحة مثل القضية السورية باتت مرتعًا للخلافات والتجاذبات. اليوم لم يعد للعرب بوصلة كبيرة واحدة ذات اتجاهات محددة، بل غدا لكل منطقة، وربما لكل دولة بوصلتها التي تحاول أن توجهها لحل أزماتها الداخلية، ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.

وكلما ازداد الشرخ العربي، ازداد ضعف الموقف العربي، وازداد استغلال أعدائهم لهذا الضعف. ومع هذا لم يعتبر العرب بتاريخهم الذي رُوي بالدماء في الأندلس حين استعان ملوك الطوائف العرب بجيوش النصارى ليقاتلوا بعضهم البعض، فذابوا جميعًا، وسقطت ممالكهم وأُخرجوا من الأندلس مجلَّلين بعارٍ وخزي يدمي القلوب، واختفى بعدها الإسلام من ربوع الأندلس بفضل محاكم التفتيش، فقُتل مَن قُتل من المسلمين، وفرَّ مَن فرَّ، وتنصَّر مَن تنصَّر.

عسى ألاَّ يعيد التاريخ نفسه!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store