Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

د. العثيمين: نحن دعاة سلم.. نرفض المذهبيَّـة والطائفيَّة واستخدام الدِّين لغاياتٍ سياسيَّةٍ

No Image

أمين عام منظمة التعاون الإســــــــــــــــــلامي ملخصاً طموحات وهموم أمة

A A
حين يتحدَّث الدكتور يوسف العثيمين، الأمينُ العامُّ لمنظَّمة التَّعاون الإسلاميِّ، عن الأقليَّات، تلمع عيناه وكأنَّه يسمعُ أنَّاتهم، ويفحص شكاواهم، وحين يتطرَّق لمواجهةِ الإرهاب، يتحدَّث بلسانِ أمَّةٍ اختصَّها اللهُ بأسمى وأصفى رسالة. على أن الانطباع الذي يتولَّد لديك، فور الحديث معه، هو أنَّ ترشيح المملكة لم يتم بالمصادفةِ، أو تشوبه العجلةُ، أو نحو ذلك، وإنَّما تمَّ بدقَّةٍ وعنايةٍ فائقتين. ومن الواضح كذلك أنَّ الرجل لم يكن بعيدًا عن المشهدِ الإسلاميِّ بمعناه الأممي الواسع.. سياسةً وفكرًا.. اقتصادًا وإعلامًا.. وقبل هذا وبعده تراثًا إنسانيًّا ضخمًا تتيهُ به الأمَّةُ فخرًا.

ولأنَّ المنظَّمةَ تضمُّ في عضويَّتها ممثلي أربع قارَّاتٍ يتحدَّثُون بكافَّةِ اللغاتِ واللهجاتِ، ويحملُونَ معهم آمالاً وطموحاتٍ وهمومًا أكثر من أن تُعدُّ، كان لابدَّ أن يكون الأمينُ الجديدُ -شأنه في ذلك شأن مَن سبقه- هادئًا.. منظَّمًا ..دقيقًا .. وواضحًا وضوحَ موقفِ الأمَّة الإسلاميَّة شعوبًا وقبائل، خلقهم الله كي يتعارفُوا ويدركُوا أنَّ أكرَمهم عندَ الله أتقاهم.. وأنَّه لا فرقَ بين عربيٍّ ولا أعجميٍّ إلاَّ بالتقوى، والعمل الصالح.

ولأنَّ قمَّةَ الرياض التاريخيَّة كانت -ومازالت- حديثَ الإعلامِ العربيِّ والعالميِّ، فقد آثرتُ أنْ أسألَه عن كيفيَّة استثمارِ المناسبة الأهم، وعن إعلان الرياضِ، ومركز مواجهةِ التطرُّف «اعتدال»، قبل أن يمتدَّ حبلُ الحديث إلى قضايا أمميَّة أخرى، في مقدِّمتها قضيَّةُ فلسطين، وأزمةُ اليمن، ومأساة سوريا.. إلى التفاصيل:

استثمار نجاح قمة الرياض

 كيف يمكن استثمار نجاح قمَّة الرياض في تحسين الصورة الذهنيَّة عن الإسلام والمسلمين، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟

- بدايةً، أنتهزُ هذه الفرصة لتقديم التهنئة مجدَّدًا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وسمو ولي العهد، وسمو ولي ولي العهد على نجاح القمَّة العربيَّة - الإسلاميَّة - الأمريكيَّة في عاصمة المملكة العربيَّة السعوديَّة (الرياض)، والتي دعا إليها خادمُ الحرمين الشريفين، وحضرها قادةُ وممثلو 55 دولةً عضوًا في المنظَّمة. كما أودُّ أنْ أشيدَ بالكلمة المهمَّة التي وجهها خادمُ الحرمين الشريفين أمام القمَّة، التي تناولت خطر الإرهاب والتطرُّف، حيث تعكسُ المواقفَ التي عبَّر عنها خادمُ الحرمين الشريفين حرصَ القيادةِ السعوديَّةِ على أن تكونَ في قلب الأحداث، التي تُلِمُّ بالعالم الإسلاميِّ، وتشكِّلُ امتدادًا لمواقف المملكة العربيَّة السعوديَّة الثابتة، الدَّاعية إلى تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرُّف، على الصعيدين الإقليميِّ والدوليِّ.

لقد خلص المشاركون في قمَّة الرياض بـ(الإجماع)، إلى أنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ هُو دينُ رحمةٍ وتسامحٍ، ويحضُّ على الاحترامِ المتبادلِ للقيم الدِّينيَّة والإنسانيَّة، وينبذُ التطرُّفَ والغلوَّ والعنفَ، ويعتبرها أمرًا مرفوضًا لا يمكن تبريره، أو الدفاع عنه باسم الدِّين. ولقد أكَّد الجميعُ على استعدادهم في التَّعاون والمشاركة ببذلِ كلِّ الجهود لمحاربة التطرُّف والإرهابِ على كافَّةِ المستويات، سواء ما كان منها فكريًّا، أو أنْ يجدَ مَن يقوم برعايته، أو حمايته، أو تمويله، وإيجاد محاضنَ آمنةٍ له بشكل جماعيٍّ وتكامليٍّ، وإقامة آليَّاتٍ متعدِّدةٍ مثل «مركز مكافحة التطرُّف»، و»مركز اعتدال»، بل والدعوة إلى مشاركة جميع الأطراف الدوليَّة لدعم وتنسيق هذه الجهود؛ تأكيدًا على أنَّ التطرُّفَ والإرهابَ لا دِين له، وغير محدد بثقافةٍ أو جغرافيا محدَّدةٍ، أو إثنيَّةٍ وعُرفٍ ما، وإنَّما هو خطرٌ ضدَّ الإنسانيَّة جمعاء؛ ممَّا يدعو في الحرب عليه تعاون الجميع، وجهودهم المشتركة لمواجهته، وإصرار التعايش والاحترام والتَّسامح لمصلحة الإنسانيَّة.

إعلان الرياض

 ما تقييمكم لما ورد في إعلان الرياض، خاصَّةً على صعيد التصدِّي للأجنداتِ المذهبيَّة والطائفيَّة؟

- إعلانُ الرياض مهمٌّ ونابعٌ من إستراتيجيَّة محدَّدةٍ ورؤيةٍ شاملةٍ، وينسجمُ تمامًا مع موقف المنظَّمة منذ انطلاقها، وهذا هو الموقف الدائم والثابت، الذي تدعونا إليه قيمُنا، ومعتقداتُنا الإسلاميَّة، فنحنُ دعاةُ سلمٍ، ونرفضُ كلَّ أفكارٍ، أو جهودٍ، أو أعمالٍ من شأنها استخدام المذهبيَّة والطائفيَّة، أو الدِّين بشكلٍ عامٍّ لغاياتٍ سياسيَّةٍ، أو تبريرٍ للعنف والدمار، ونحن كمنظَّمةٍ تمثِّلُ مكوِّنًا بشريًّا واسعَ الانتشار، وثقافيًّا وجغرافيًّا «العالم الإسلامي»، نسعى أْن نكونَ الأمَّة الوسط، والشاهد لإرساء السلام، واحترام العيش المشترك مع أبناء كلِّ الأديان، والمذاهب، والثقافات، بل ونحن -كما يؤكِّدُ الواقعُ- أكثرُ الأممِ، وأتباع الأديان تضرُّرًا، ونعاني من تعدِّياتٍ وتمييزٍ وتشويهٍ لقيمِنا ومعتقداتِنا (كما هو واضح من تزايد وتيرة الإسلاموفوبيا)، ونتطلَّع مع كلِّ أفراد الإنسانيَّة أنْ نتمكَّن مشتركين من التَّسامي، وتجاوز أخطار هذه الآفات المرتبطة بالتطرُّف، والعنف، ونعملُ سويَّةً لإحلال السلام والاستقرار لمصلحة البشريَّة جمعاء، مؤكِّدين أنَّ ذلكَ ما تدعو إليه قيمُنا، وأنَّنا في توجُّهنا هذا ننشدُ الخيرَ للجميع، وليس لفريقٍ أو لمصالحَ خاصَّةٍ بمصالحَ محددةٍ.

اعتدال

 كيف يمكن للمنظَّمة الاستفادة من مركز مواجهة الفكر المتطرِّف؟ وما تقييمكم لفكرة ومهام المركز؟

- إنشاءُ المركز دليلٌ آخرُ على جديَّة وحرص خادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسموِّ ولي العهد، وسموِّ ولي ولي العهد -حفظهم الله- على ترسيخ أسس السلام، وثقافة الوسطيَّة، وروح الوئام بين الشعوب، ونبذ التطرُّف، ومحاربة الإرهاب، وينمُّ عن رؤيةٍ صادقةٍ، وقيادةٍ حكيمةٍ في العمل لما فيه مصلحة الأمَّة الإسلاميَّة. ورسالةُ المنظَّمة الدائمة والمعلنة هي نبذُ التطرُّفِ والعنفِ، ومحاربةُ الإرهابِ -بغضِّ النَّظرِ عن مصادرِه-، ولهذا فإنَّ المنظَّمةَ -وبشكلٍ متواترٍ- تعملُ، وتدعو، وتدعم كافَّةَ الجهود الخيِّرة للمشاركة في هذا المقصدِ النبيلِ؛ إيمانًا منها بأنَّ الإرهابَ هو أخطرُ وأعظمُ تهديدٍ للإنسانيَّةِ في عالمنا المعاصر، وهي لهذا تدعمُ هذه الجهود، وما «إدارة الحوار والتَّواصل»، و»مرصد الإسلاموفوبيا»، و»مركز صوت الحكمة»، إضافةً إلى الدَّعوة الدائمة لحلِّ الصراعات، والدعوة لحلِّ المشكلات والخلافات بين دول العالم، بالطرق القانونيَّة والوسائل السلميَّة، المنطلقة من قِيم الإسلام الذي ينبذُ بشدَّةٍ العنفَ والدمارَ ضدَّ الإنسانيَّة، بغضِّ النَّظرِ عن دينٍ وعرقٍ أو معتقدٍ. لذا فإنَّ المنظَّمة تعتبر نفسها تعملُ في نفسِ الخندقِ، وتنطلقُ من نفس المقاصد النبيلة التي جعلها مركزَ مواجهةِ الفكرِ المتطرِّف هدفًا له، وهي تباركُ هذه الجهود، وتضعُ كلَّ جهودها وإمكانيَّاتها خدمةً لتحقيق هذه المقاصد النبيلة؛ إيمانًا منها أنَّ الاحترامَ المتبادل، والسلام المستدام، والاستقرار يخدمُ مصلحةَ الإنسانيَّةِ جمعاء، وغاية قيم ديننا يخدمُ مصالح دولنا الأعضاء، ويمكن للإنسانيَّة -جمعاء- الاستقرار ورغد العيش، والدفع بالتنمية المستدامة التي نتطلع لها.

وحدة اليمن

 جاء موقفكم الدَّاعم لوحدة اليمن، معبِّرًا عن تطلُّعات الشعوب الإسلاميَّة.. كيف يمكن إعطاء مزيدٍ من الزخم لهذا التوجه؟

- دأبت منظَّمةُ التَّعاون الإسلاميِّ على متابعة الأزمة اليمنيَّة منذ بدايتها، وأكَّدت على التزامها القويِّ بوحدة اليمن، وسيادته، واستقلاله السياسيِّ، وسلامة أراضيه، ورفض التدخُّل في شؤونِهِ الداخليَّة، والوقوف والتضامن مع الشعبِ اليمنيِّ، وما يطمح إليه من حريَّةٍ وديمقراطيَّةٍ وعدالةٍ اجتماعيَّةٍ، وتنميةٍ شاملةٍ.

وأكَّدت المنظَّمةُ كذلك دعمَها وتأييدها للشرعيَّة الدستوريَّة في اليمن، التي يمثِّلُها فخامةُ الرئيس عبدربه منصور هادي، ولجهوده الوطنيَّة التي يبذلها لتحقيق الاستقرار السياسيِّ والاقتصاديِّ لليمن، واستئناف العمليَّة السياسيَّة بالطرق السلميَّة؛ استنادًا إلى مبادرة مجلسِ التَّعاون لدول الخليج العربيَّة، وآليِّتها التنفيذيَّة، ومخرَّجات مؤتمر الحوار الوطنيِّ اليمنيِّ، وقرارات الشرعيَّة الدوليَّة.

وتقوم المنظَّمةُ بجهودٍ لعقد مؤتمر دوليٍّ لتقديم المساعدات الإنسانيَّة الإنمائيَّة لليمن في أقرب وقت ممكن؛ بغية تعبئةِ الموارد العاجلة لمعالجة الوضع الإنسانيِّ الحرج، وتوفير المتطلبات، المرحلة التالية إعادة الإعمار بالتَّنسيق مع الحكومةِ اليمنيّةِ، والشركاء الدوليين، والإقليميين، بما في ذلك مركزُ خادمِ الحرمين الشريفين للإغاثةِ والأعمالِ الإنسانيَّةِ، والأمم المتَّحدة ووكالتها الإنسانيَّة والإنمائيَّة.

وأعربت المنظَّمةُ عن تقديرِها لجهودِ حكومةِ خادمِ الحرمين الشريفين لاستضافتِها لجنة التَّنسيق والتهدئة، التي تعملُ على تثبيتِ وقفِ الأعمال القتاليَّة، ورصد خروقاتِ وقفِ إطلاقِ النَّارِ.

مع فلسطين

 هل يؤثِّر إغلاقُ مكتب المنظَّمة في غزَّة على حجم المساعدات المقدَّمة من خلال مكتب رام الله؟

- المكتبُ لم يُغلق، وإنَّما عُلِّق نشاطُه بناءً على طلبٍ من دولةِ فلسطين؛ لحين مراجعة نشاط المكتب، وإجراءات عمله، وهذا لن يستغرقَ وقتًا طويلاً. المعلوم أنَّ دولة فلسطين عضو بالمنظَّمةِ، ولها حقٌّ سياديٌّ على أراضيها، والأنشطة التي تتمُّ داخلها.

وتحرص الأمانةُ العامَّةُ للمنظَّمةِ على تكثيف واستمرار الجهود، التي تبذلُها في كافَّةِ المجالاتِ؛ بهدفِ دعمِ الشعبِ الفلسطينيِّ، لا سيَّما تخفيف وطأة الأعباء الإنسانيَّة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيليِّ الجائر على قطاع غزة.

وفي هذا السياق، تمَّ افتتاح المكتب التمثيلي للمنظمة لدى دولة فلسطين في رام الله، قبل عامٍ تنفيذًا للقرار الصادر عن مجلسِ وزراء خارجيَّة الدول الأعضاء في المنظَّمة في دورته الثانية والأربعين، التي انعقدت بدولة الكويت بتاريخ 27 و28 مايو 2015، بهدف تعزيز دور المنظَّمة وأجهزتها المختلفة في سبيل دعم الشعب الفلسطينيِّ، وسيتمُّ تنظيم آليَّة عمل جديدة لمكتب غزة، تكون تحت إشراف المكتب التمثيليِّ للمنظَّمةِ في مدينة رام الله، باعتبارهِ صاحبَ الولايةِ القانونيَّة في العمل في كافَّة المجالات، بما في ذلك العملُ الإنسانيُّ؛ وفقًا للاتفاقيَّة الموقَّعة مع دولة فلسطين.

إشادة بموقف اليونسكو

 ما تقييمكم للمواقف الأخيرة لمنظَّمة اليونسكو، خاصَّةً فيما يتعلَّق بالأقصى المبارك، وباعتبار القدس محتلةً؟

- نثمِّن دورَ منظَّمة اليونسكو، وقراراتها المهمَّة التي تصدر سنويًّا، حول الأوضاع في فلسطين، ومدينة القدس المحتلة، ونشيدُ بمواقف الدول الأعضاء، والدول الصديقة التي وقفت إلى جانب الحقِّ والعدالة، بدعمها هذه القرارات التي تجدِّدُ رفضَ وإدانةَ المجتمعِ الدوليِّ لسياساتِ وإجراءاتِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، وتؤكِّدُ أنَّ «جميعَ الإجراءات التي تتَّخذها إسرائيل، القوَّة المحتلَّة، من أجل فرض قوانينها، وسلطتها القضائيَّة، والإداريَّة على مدينة القدس المقدَّسة، إنما هي إجراءات غير قانونيَّة، وغير مشروعة، وهي إذًا إجراءاتٌ لاغيةٌ وباطلةٌ بطلانًا تامًا».

ونجدِّدُ التأكيدَ على أهميَّة إنفاذ هذه القرارات، وضرورة تحمُّل المجتمع الدوليِّ مسؤوليَّاته، واتخاذ التدابير اللازمة لوضع حدٍّ للانتهاكاتِ الإسرائيليَّةِ الخطيرة لمعالم التراث العربيِّ الإسلاميِّ في فلسطين، وخصوصًا في مدينتي القدس والخليل.

مواجهة الإرهاب

 على صعيد مواجهة الإرهاب.. ما هي آخر أنشطة المنظَّمة في هذا المجال؟

- نتابعُ ببالغ الانشغال، الأعمالَ الإجراميَّةَ، والتفجيراتِ والهجماتِ التي نُسِبَت إلى عناصرَ ومجموعاتٍ متطرَّفةٍ ودخيلةٍ على واقعنا، ولا تنتمي في الحقيقةِ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ إلى الدِّينِ الإسلاميِّ الحنيفِ، ولا تفقهُ قيمَه النبيلةَ السمحةَ التي تدعُو إلى السلام، والتَّسامح، وعدم إلحاقِ المضرَّة بالغير، وفي الوقت نفسه نرى تصاعدَ الأجندةِ الطائفيَّةِ، وظاهرةَ العداءِ للإسلامِ والمسلمين، الأمرُ الذي يستدعي أنْ نقفَ وقفةَ تأمُّل وتمعُّن في كلِّ هذه الأحداث، التي يتصاعد نسقُها في منطقتنا، والتي تهدِّدُ مصالحَ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ.

وأودُّ أنْ أنتهزَ هذه السانحة؛ لأجدِّدَ إدانةَ المنظِّمةِ القويَّةِ لجميعِ الأعمالِ الإرهابيَّةِ التي وقعت في الدول الأعضاء، وفي العالم في الآونة الأخيرة، كما أودُّ أنْ أشيرَ إلى أنَّ المسلمين أصبحُوا الأكثرَ تضرُّرًا من هذه الظاهرةِ إعلاميًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا.

وإنَّنا نجدِّدُ رفضنا التامَّ لربطِ هذه الظاهرة بدينِنا الحنيف، وأدعو إلى التوقُّفِ عن مجاراةِ ما تعمل عليه بعضُ وسائلِ الإعلام المغرضة، من تشويهٍ للمسلمين، وتعميمِ صورة المجرمين على كلِّ الشعوبِ، والجماعاتِ المسلمةِ.

كما أدعُو إلى تكاتفِ الجهود الدوليَّة، من أجل خلق مناخٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ، يستقطبُ الشباب والمواطنين إلى أعمالٍ تنفع النَّاس، ومجتمعاتهم، وتُبعدهم عن أفكار ومشاعر التهميشِ والإقصاءِ، والنقمةِ والغربةِ الفكريَّةِ والحضاريَّةِ، بما يمنع عنهم شبحَ استقطابهم كحطبٍ ووقودٍ للجماعاتِ الإجراميَّة المتستِّرة بقناعِ الدِّين، والتي لا تهتمُّ إلاَّ بتأمينِ مصالحها، وخدمة أجنداتٍ هدَّامةٍ وفوضويَّةٍ.

ومن جانبنا نبذلُ جهودًا كبيرةً لمكافحة ظاهرةِ الإرهابِ، وذلك بالتَّنسيق مع الدولِ الأعضاء والمنظَّماتِ الدوليَّةِ والإقليميَّة، وعلى صعيد الوثائق القانونيَّة نعملُ على تحديثِ اتِّفاقيَّة المنظَّمة لمكافحةِ الإرهابِ بتضمِينَها آخرَ العناصرِ المتعلِّقةِ بهذَا الموضوع. وأنشأنَا مركزًا للرسائلِ في الأمانةِ العامَّة لمكافحةِ الفكر المتطرِّف.

هيكلة الإعلام

 في جانبِ الإعلام.. ما تقييمكم لأداءِ وكالةِ الأنباءِ الإسلاميَّة، وجهود التعريف بقضايا العالم الإسلاميَّ؟

- لقد قامتْ منظَّمة التَّعاون الإسلاميِّ بجهودٍ حثيثةٍ في السنواتِ القليلةِ الماضية، أثمرت في إعادة هيكلة وكالة الأنباءِ الإسلاميَّة الدوليَّة، واتِّحاد الإذاعاتِ الإسلاميَّة، وذلك لمواكبةِ هاتين المؤسَّستين الإعلاميَّتين للتطوُّرات الحديثةِ في العمل الإعلاميِّ، والارتقاء إلى تطلُّعات الأمَّة الإسلاميَّةِ، إدراكًا منَّا لمَا لهاتين الذراعين الإعلاميَّتين للمنظَّمة من دورٍ مهمٍّ وحيويٍّ في التعريف بعمل المنظَّمة، وبمبادراتِها، وجهودها، وأيضًا التعريف بعملِ ونشاطاتِ المؤسَّسات التابعة للمنظَّمةِ كالبنك الإسلاميِّ للتنمية، والمنظَّمة الإسلاميَّة للتربيّة والعلوم والثقافة -على سبيل المثال لا الحصر- في شتَّى المجالاتِ الاقتصاديَّةِ والماليَّةِ والتنمويَّةِ والثقافيَّةِ والتربويَّةِ. وإنَّنا نرى الآنَ أنَّ الوكالة أصبحتْ حريصةً أكثرَ من أيِّ وقت مضى، من أجل مواكبةِ عمل المنظَّمة والأحداثِ الإقليميَّة والدوليَّة، فهي تهتمُّ بنشرِ التَّراث الثقافيِّ الإسلاميِّ، والتوثيقِ الصحفيِّ للعلاقاتِ فيما بين الدول الأعضاء في المنظَّمة، وتعزيز الصِّلاتِ المهنيَّةِ، والتَّعاون الفنيِّ فيما بين وكالات الأنباءِ للدول الأعضاء، وتعملُ باستمرارٍ على زيادةِ فهم الشعوب الإسلاميَّة للمسائلِ السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ. وتقومُ الوكالةُ بتوزيعِ أخبارٍ وتقاريرَ يوميَّةٍ باللغات: العربيَّة، والإنجليزيَّة، والفرنسيَّة؛ للتعريف بقضايا العالم الإسلاميِّ، وأوضاع الأقليَّات المسلمة، كقضيَّة الروهينجيا على سبيل المثال، وتسهيل تبادلِ المعلوماتِ، والمقالاتِ، والصورِ الفوتوغرافيَّةِ، وجمع وتوزيع المعلوماتِ التي تهمُّ البلدانَ الإسلاميَّة.

وقد حقَّقت الوكالةُ مواكبةً صحفيَّةً ملموسةً ومقدَّرةً في تغطيتها للأحداثِ، وفي التَّواصلِ السريع مع الجمهورِ، بحيثُ طوَّرت موقعَها على شبكة الإنترنت، وفتحت حساباتٍ على مختلفِ شبكات التَّواصلِ الاجتماعيِّ. ومن يلقِ نظرةً على مواقعِ الوكالةِ هذِه، فسيرى تنوُّعًا في عرضها لمختلف القضايا الإسلاميَّة في العالم الإسلاميِّ كالصومالِ، والعراقِ، وأفغانستان، وغيرها من قضايا الدول الإسلاميَّةِ، إلى جانبِ توفير تغطياتٍ آنيَّةٍ لفعاليَّاتِ المنظَّمةِ ومؤسَّساتِها، والأحداث الجاريَّة في العالم.

ومن أجل تنسيقِ العملِ الإعلاميِّ الإسلاميِّ المشترك وتكامله، فإنَّ الوكالة قد وقَّعتْ اتِّفاقيَّةَ تفاهمٍ مع إدارة الإعلام بالأمانةِ العامَّةِ للمنظَّمةِ، من أجل ضمانِ تغطية إعلاميَّة مستمرة، لبرامج المنظَّمة وفعاليَّاتِها. كما أنَّ الوكالةَ قد افتتحتْ مركزًا جديدًا للتَّدريب الإعلاميِّ لتوفير دوراتٍ تدريبيَّةٍ للمؤسَّسات الإعلاميَّة في الدول الأعضاء؛ لصقلِ مهاراتِ الصحفيين وتنميتها في مختلفِ جوانبِ العملِ الإعلاميِّ. لذلك نحنُ فخورون بعملِ هذه المؤسَّسة الإعلاميَّة، ولا شكَّ فإنَّنا نتطلَّعُ دائمًا إلى تحقيقِها المزيدَ من التطوُّر والإنجازاتِ لرفدِ العملِ الإعلاميِّ لمنظَّمةِ التَّعاونِ الإسلاميِّ.

حدث في كمبوديا

 لقيت زيارتكم لكمبوديا صدًى طيِّبًا في نفوس المسلمين هناك، هل هناك زياراتٌ مماثلةٌ للدول ذات الأقليَّةِ المسلمةِ؟ وما أبرز أنشطةِ اللجان الخاصَّة بالأقليَّات؟

- كانت زيارةُ كمبوديا جزءًا من نشاط المنظَّمة، الحريصة على تعزيزِ وجودها، ونقلِ صوت الأقليَّات ومعاناتِهم في جنوب شرق آسيا، إلى العالم، وليس في كمبوديا فحسب، بل لدى المنظَّمة جهودٌ متَّصلة في كلٍّ من ميانمار، حيث تواجه أقليَّة الروهينجيا تضييقًا واضطهادًا كبيرين، وتعمل المنظَّمةُ على متابعةِ قضيَّة هذه الأقليَّة المسلمة، وتقومُ برصدِ وتوثيقِ كلِّ تلك الانتهاكاتِ التي تُمارس ضدَّها، حيثُ تعملُ على إطلاع المجتمعِ الدوليِّ عليها، وبخاصَّةٍ المنظَّماتِ التابعة للأمم المتَّحدة، مثل المجلس الدوليِّ لحقوق الإنسان في جنيف، كما تتابعُ المنظَّمةُ أوضاعَ الأقليَّةِ المسلمةِ في جنوبِ الفلبين، وقد رعتْ لذلك مفاوضاتِ السلام بين الجبهةِ الإسلاميَّةِ لتحرير مورو، التي تُوِّجت باتِّفاق سلام مع حكومةِ الفلبين، وبرعاية ماليزيا في عام 2014، وجهودها مستمرة في هذا الشأن.

وتُعدُّ مسألةُ الأقليَّاتِ من أهمِّ الملفَّات التي تُعنى بها المنظَّمةُ، ليس في آسيا فحسب، بل في أوروبا، حيثُ جرَى إنشاءُ فريقِ اتِّصالٍ معنيٍّ بأوضاعِ الأقليَّاتِ المسلمةِ في أوروبا، كما تتابعُ المنظمةُ أوضاعَ المسلمين في دولٍ عديدةٍ في أمريكا اللاتينيَّة، وإفريقيا، وكان لجهودِها أثرٌ بالغٌ في جمهوريَّة إفريقيا الوسطى، من بُعدَيها السياسيِّ والإنسانيِّ.

التراث وثقافة الآخر

 في جانب الحفاظِ على التَّراثِ الثقافيِّ، ما أبرز التحرُّكات في هذا الجانبِ؟

- تعملُ الأمانةُ العامَّةُ على بلورة برامج مستقبليَّة، المراد منها تشجيعُ المزيدِ من اللقاءاتِ الثقافيَّةِ التي تهدفُ إلى تعزيزِ التَّواصل بين الدول الأعضاء، في إطار ما يُسمَّى بالتَّعارفِ والتَّقاربِ الإسلاميِّ. كما تعلمون العالمُ الإسلاميُّ ينتشرُ من سواحل المحيطِ الأطلسيِّ، إلى مشارفِ الشرق الأقصى في المحيطِ الهادئ، والمجتمعاتُ المسلمةُ في شمالِ وغربِ إفريقيا، وفي شرقِ ووسطِ آسيا، لا يعرفون بعضهم بعضًا، رغم وحدة العقيدةِ، والجميعُ يتطلَّعُ إلى معرفةِ ثقافةِ الآخر، وتاريخه، وعاداته، وتربطهم عواملُ ثقافيَّة مشتركة أحيانًا، وتشابهٌ غريبٌ في العاداتِ الاجتماعيَّة أحيانًا أخرى، وذلك رغم اختلافِ الألسن والجغرافيا والبيئة.

كما تتَّجه المنظَّمةُ إلى مزيدِ الاهتمامِ بالأعمالِ المتعلِّقة بالمحافظةِ على التَّراثِ، وذلك تنفيذًا للقرارات الصادرة عن مجلس وزراءِ الخارجيَّةِ، والقمَّة الإسلاميَّة، بالإضافة إلى مؤتمرِ وزراءِ الثقافة في الدولِ الأعضاء.

تهدفُ البرامجُ الثقافيَّةُ المذكورةُ إلى الإسهامِ عمليًّا في تصحيح صورة الإسلام في العالم. وبدأنا على سبيل المثال بالندوة، حول المحافظةِ على التُّراثِ الثقافيِّ وحمايته في الدول الأعضاء، والتي نظَّمتها الأمانةُ العامَّةُ يوم الأحد 14 و15 مايو الجاري، وذلك بالتَّعاون مع جمهوريَّة فرنسا.

كما أنَّ الأمانةَ العامَّةَ مقبلةٌ حاليًّا على تأسيس فريق اتِّصالٍ معنيٍّ بمسلمي أوروبا، تمَّ تشكيله من طرف وزراء خارجيَّة الدولِ الأعضاء بالمنظَّمةِ، حيث يهدف إلى ضمانِ إقامةِ تعاونٍ فعَّالٍ بين الأطرافِ المعنيَّة؛ بُغية وضعِ الإستراتيجيَّاتِ الراميةِ إلى القضاءِ على خطاب الكراهيةِ، والاعتداءِ الجسديِّ، والممارساتِ الخاصَّةِ بالتعصُّبِ والتفرقةِ، والتمييز العنصريِّ، ومعاداةِ الإسلامِ، ودعم الحوار بين الثَّقافاتِ والشموليَّة الاجتماعيَّة.

الأزمة السورية

 هل تؤثِّر التحرُّكاتُ العسكريَّةُ في سوريا، والواقع على الأرضِ في موقفِ المنظَّمة ورؤيتها لحل الأزمة السوريَّة؟

- تتابع منظَّمةُ التَّعاون الإسلاميِّ -باهتمامٍ بالغٍ- الأوضاعَ في سوريا، وكذلك تابعتْ -ولا تزال- مفاوضاتِ جنيف على مراحلها المختلفة، والمحادثاتِ التي عُقدتْ في العاصمةِ الكازاخستانيَّة (آستانا) بخصوص الأزمة في سوريا، والتي أفضتْ إلى اتِّفاقٍ حولَ تحديدِ مناطق عدمِ اشتباكٍ، تشمل عدَّة محافظاتٍ سوريَّة.

وقد أعربنا عن التطلُّع إلى اعتمادِ الخطواتِ الفعليَّة، والسبل الكفيلة بتنفيذِ هذا الاتِّفاق؛ لوقف موجاتِ القتل والتدمير، التي شهدتها سوريا في السنواتِ الأخيرةِ، والتي استهدفَت المدنيين، وأراقت دماءَ ضحايا أبرياء من الشعبِ السوريِّ، وشرَّدت آلافَ العائلاتِ التي أصبحتْ بعد مطالبتِها لحقوقِها في المواطنةِ والمشاركةِ في الحياةِ السياسيَّة التي تناشد من مخيماتِ اللاجئين، تمكينها من أبسط الحقوق للحياة الإنسانيَّة الكريمة.

وفي هذا الإطار، أكَّدنا هنا في المنظَّمةِ الاستعدادَ التامَّ للتَّعاونِ البنَّاءِ مع المنظَّماتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ لمساعدة الشعبِ السوريِّ على تجاوز أوضاعه المتردِّية الراهنة، كما جدَّدنا تمسُّكنا بضرورةِ اعتمادِ الحلولِ السياسيَّةِ لحلِّ الأزمةِ في سوريا؛ بعيدًا عن التَّصعيدِ العسكريِّ، الذي أدَّى إلى تداعياتٍ خطيرةٍ على البلاد والمنطقةِ، والأمن الدوليِّ.

ونحنُ ملتزمون دائمًا بمَا جاءَ في بيانِ جنيف 1، والقرارات الأمميَّة ذات الصِلَةِ، التي نصَّت على ضرورةِ المحافظةِ على وحدةِ الأراضي السوريَّة، وحثَّت على اعتمادِ الحلولِ السلميَّةِ والسياسيَّة؛ لوضعِ حدٍّ للأزمةِ في سوريا، وضمانِ الأمنِ والاستقرارِ في المنطقةِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store