Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

مجتمعنا والصدمة الحضارية

A A
قبل أقل من نصف قرن كان مجتمعنا في الجزيرة العربية يعيش حياة أقرب منها الى البدائية في كل المكونات الحضارية التي فرضتها عليه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت عليها البلاد إبان تلك الفترة ،فعلى سبيل المثال لا الحصر كان وجود الكهرباء محدوداً جداً في بعض المدن وكان يتولى توفيرها القطاع الخاص ،وكان توفير المياه يتم بصورة بدائية إما عن طريق الآبار أو الينابيع المتوفرة بالمدن أو القرى والتي كانت في أغلب الأحوال تنضب أحياناً أو كانت تتوفر عن طرق التحلية البدائية في المدن الساحلية الكبرى آنذاك ،أما الهاتف فكان معدوماً في الكثير من المناطق أو كان بدائياً في المدن الكبرى وكذلك البريد ،أما وسائل الإعلام فكانت مقصورة على جهاز التلفزيون الذي كان بثه يتم لبضع ساعات في المدن الكبرى فقط وكان بثه لايتعدى البرامج المحلية المحدودة وكذلك البث الإذاعي الذي كان أكثر فاعلية كون الارسال يصل أغلب المدن أما وسائل الاتصال الأخرى فكانت شبه معدومة اذا استثنينا ما يتوفر ببعض المؤسسات العسكرية والأمنية وهكذا بقية المقومات الحضارية الأخرى بما في ذلك طرق المواصلات والمستشفيات وما يخص الغذاء والكساء والدواء.

ثم حدثت النقلة الحضارية الهائلة في مختلف المجالات الحياتية خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة جداً في عمر الحضارة الانسانية بما نستطيع تسميته انقلاباً حضارياً تضمن الكثير من المنجزات الحضارية التي قامت بها الدولة رعاها الله شملت التوسع العمراني الهائل والتوسع في إقامة المشاريع التنموية في مختلف المناحي الحياتية دون تخصيص ،ثم حدث في العقدين السابقين الانفجار الهائل المعرفي والتقني العالمي والذي بدأ بدخول الانترنت التي جعلت من أبوابنا مشرعة على العالم أجمع نستمد من حضارته ونستدل بمسيراته ونتطلع على منجزاته التي كانت كالسيل الجارف فأصبح ذلك المجتمع المخضرم الذي عايش تلك الفترة يواجه ذلك السيل الجارف من المتغيرات الحضارية التي جعلته ينظر الى العالم من حوله كقرية صغيرة فكانت النتيجة التي لم يستوعبها الكثير من افراد المجتمع ولم ينجح في التفاعل معها كونها تمثل صدمة حضارية كان لها الكثير من النواتج العكسية سلوكياً ومعرفياً ،فازدوجت الكثير من الشخصيات ونتج عن ذلك بعض الردود العكسية الرافضة لذلك السيل الحضاري مما نتج عنه تنامي فتاوى التحريم لكل جديد ورفض تعامل البعض مع تلك المخرجات فأسيء استخدام الكثير منها، حيث نجد الجميع ينفلتون في استخدامها دون وعي وبصيرة مما ترتب عليه بروز الكثير من السلوكات والمعاملات المنحرفة التي كانت نتيجة سوء استقبال وسوء تفاعل مع تلك المخرجات ،كما استثمر الكثير من أفراده ذلك التطور السريع استثماراً عكسياً أدى الى اضطراب في السلوكات والمعاملات.

ويقيني أن ما نعيشه اليوم من تلك السلوكات سيتلاشى يوماً بعد يوم بعد انقراض ذلك الجيش المخضرم الذي عايش ذلك الانقلاب الحضاري المفاجئ ،ثم يبقى الدور الاكبر والأهم في إيجاد عمليات التوازن السلوكي المجتمعي موكولاً على دور مؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام التي أراها فشلت في التعامل مع ذلك الحال ،ولازال الأمل معقوداً عليها لتعديل كافة سبلها من برامج وأدوات لإحداث عمليات العلاج والتوازن الأمثل . والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store