Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

آن لصوت الاعتدال أن يعلو

نبض الكلمات

A A
الاعتدال والوسطيَّة منهجُ الدِّينِ الحقِّ الذي نزلَ به الوحي السماويُّ على نبيِّ الرحمة، تلك حقيقة نؤمنُ بها كمسلمين موحِّدين، ولكن مآل الحال اليوم بينَ عددٍ كبيرٍ ممَّن يدينُونَ بدينِ الإسلام، حادُوا عن هذا المنهجِ في أعمالِهم وأقوالِهم وأفعالِهم وتصرفاتِهم، بل وفي أفكارِهم، وهذا أخطرهم، فالفكر هو المحرُّك الحقيقيُّ لسلوكيَّاتِنا وتصرفاتِنَا.

مركز الاعتدال الدولي لمكافحة التطرُّف هذا وقته وأوانه، لمواجهة طوفان الفكر المتطرِّف، والقضاء على منابعه، ومموِّليه، ومن يعملون على تغذيته بين كافَّة شعوبِ الأرض.

عندما شاهدتُ بعضَ المشاهدِ في مسلسلِ «غرابيب سود»، وبعد كلِّ الهجمةِ الكبيرة عليه عبر مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، أخذني الفضولُ لمعرفة بعضٍ من أفكارِه، وماذا يقدم؟ فإذ به يعرِّي منهجَ المتطرِّفين الدواعش، ولم يُركِّز فقط على جهادِ النكاحِ، كما حاول البعضُ التركيزَ عليه في الهجوم على المسلسل، العالم السفلي للتنظيماتِ المتطرِّفة لا يعلمُ خفاياه أحدٌ، ولكنَّ بعضًا من تسليط الضوء على بشاعة أفعالهم، عبر الدراما التي تستطيع أن تغيِّر في الفكر، وتؤثِّر في العقول بسرعةٍ فائقةٍ مطلبٌ إنسانيٌّ، ولكلِّ عملٍ جوانب إيجابيَّة، وأخرى سلبيَّة، أمَّا أنْ نكيلَ التُّهم، ونقارن بين تناول موضوعات التطرُّف السنِّي والشيعيِّ في كلِّ مرَّة يرتفع فيه صوت الطائفيَّة المقيتة، لابدَّ أن نوقفه، ونحدَّ منه.

تذكرتُ مع بعض المشاهدِ ما كان يحدثُ في أروقة بعض مدارسنا في الثمانينيَّات من محاولةٍ لاختطاف عقولنا، وتحريم ما أحلَّ الله، وجعلت بعض المعلِّمات حياتنا مجموعةً من المحرَّمات، وأنَّنا في هلاكٍ أكيد إن لم نتَّبع منهج المتشدِّدين، وتذكرتُ عند عملي في إحدى المدارس، كيف تقف عند الباب إداريَّة متشدِّدة بالجوارب السوداء، والكفوف السوداء، تلزمنا بارتدائها، وإلاَّ مُنعنا من الخروج معلِّمات وطالبات. هذه الغرابيب السود أشد خطرًا ممَّا نتوقَّع بأفكارهم المتطرِّفة، وإلزامهم للناس بأن يفعلوا ما يرونه صوابًا، وتصنيفهم للمجتمع من أهل الجنَّة والصلاح، ومن أهل النار والباطل. سمعت ابني الصغير يقول عن شخصٍ اقترف خطأً بأنَّه كافر، فنهرته، وقلت له: من سمح لك بتكفير مسلم، هذا والله هو الحرام بعينِه أن نغرس في عقول صغارنا أن من يخالفنا كافر.

ردود الأفعال التي طالت كلمات الشيخ صالح المغامسي -حفظه الله- في حديثه عبر برنامج مع القرآن في القناة السعوديَّة الأولى كانت تدعو لأن نعزز منهج الاعتدال والتسامح والوسطيَّة فالمسلمون كافة -على اختلاف مذاهبهم- يدينون بالله ربًّا، وبمحمدٍ نبيًّا ورسولاً، ويتجهون للقبلة نفسها، ويحجُّونَ البيتَ، ونلتقي معًا في الكثير من الأفكار والتوجُّهات، والمصلحة تقتضي أن لا نعاديَ بعضنا بعضًا، لماذا نسمعُ مَن يغرِّد خارج هذا النهج، ويطالبنا بتكفير وإقصاء بعضنا بعضًا، أمَا آنَ لصوتِ الاعتدالِ أن يرتفعَ.. لنتقِّ اللهَ في وطنِنَا، وفي أجيال نريد لها أن تعيشَ السلامَ الداخليَّ، وتعمّر الأوطان بقلوبٍ متَّحدة وليست متباغضةً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store