Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

الوساطة التركية!

A A
منذُ بدءِ مقاطعةِ المملكةِ العربيَّة السعوديَّةِ، ودولةِ الإماراتِ، وجمهوريَّةِ مصر العربيَّةِ، ومملكةِ البحرين، لدولةِ قطر، ولم يكفّ المسؤولُونَ الأتراكُ في التعبيرِ عن سعيهم، ورغبتِهم في الوساطةِ والمصالحةِ بينَ أطرافِ الأزمةِ، فالرئيسُ التركيُّ رجب طيب أردوغان أجرى اتِّصالاً بخادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان، وصفتهُ وكالاتُ الأنباءِ والإعلامُ التركيُّ «باتِّصالِ وساطةٍ» بل إنَّ صحيفةَ «ترك برس» تقولُ: «إنَّ الرئيسَ أردوغان أجرى اتِّصالاتٍ ثنائيَّةً مع زعماء (16) دولةً من أجل إيجادِ حلٍّ للأزمةِ الخليجيَّةِ». لكن في المقابلِ فالرئيسُ أردوغان، وفي خطابٍ عامٍّ، وصفَ مقاطعةَ المملكةِ وشقيقاتِهَا العربيَّةِ لقطر بـ»لا إنسانيٍّ ومخالف للتَّعاليمِ الإسلاميَّةِ، وهو بمثابةِ عقوبةِ إعدامٍ».

وقبلَ زيارتِهِ للدوحةِ، أعلنَ وزيرُ الخارجيَّةِ التركيُّ مولود جاويش أوغلو بأنَّه «سيلتقي عددًا من مسؤولِي قطر؛ لبحثِ الأزمةِ الخليجيَّةِ، وانعكاساتِهَا على المنطقةِ»، وأكَّد في تصريحٍ صحفيٍّ على: «أنَّ الرئيسَ أردوغان سيبحثُ الأزمةَ الخليجيَّةَ مع الرئيسِ الأمريكيِّ دونالد ترمب، وأنَّ تركيا تقومُ بدورِ الوساطةِ في الأزمةِ، وأنَّ المسؤوليَّةَ الملقاةَ على عاتقِهَا كبيرةٌ، خاصَّةً وأنَّ أردوغان هُو رئيسُ قمَّة منظمةِ التَّعاونِ الإسلاميَّ».

ولذرِّ الرمادِ في العيونِ، وحينَ سؤالِهِ عن مَا تعنيه إشاراتُ الرئيسِ أردوغان الأخيرة بشأنِ الأزمةِ الخليجيَّةِ، والدولِ التي فرحتْ بالانقلابِ في تركيا، ردَّ بقولِهِ: «إنَّ تصريحاتِ أردوغان لا تستهدفُ البتَّة المملكةَ العربيَّةَ السعوديَّةَ، وأنَّ أردوغان يكنُّ احترامًا كبيرًا للملكِ سلمان، وأنَّه بالإمكانِ حلُّ أزمةِ قطر من خلالِ الحوارِ والدبلوماسيَّة».

تركيا ولا شكَّ دولةٌ كُبرَى في المنطقةِ، ومن حقِّها أنْ يكونَ لها دورٌ في كثيرٍ من أزماتِ ومشكلاتِ المنطقةِ كمَا هُو الحال في سوريَا، كمَا أنَّ علاقاتِهَا بكلِّ تنوّعاتِها، السياسيَّة والتجاريَّة والسياحيَّة معَ دولِ الخليجِ، وفي مقدمتِهم المملكة العربيَّة السعوديَّة، علاقاتٌ مميَّزةٌ وعميقةٌ، لكنْ حينَ الحديث عن أزمةِ قطر، وما يمكنُ أنْ تقومَ به الوساطاتُ، فإنَّ التصلُّبَ والتعنُّتَ القطريَّ هو الملامُ أولاً وأخيرًا، في وجودِ الأزمةِ، كمَا أنَّها الملامُ الأوَّل والأخير في محاولةِ تدويلِ الأزمةِ.

أمَّا فيمَا يتعلَّقُ بالوسيطِ فلابدَّ كمَا هُو معروفٌ للكلِّ يجبُ عليهِ أنْ يكونَ محايدًا بالكليَّةِ، وأنْ تكونَ دوافعه للوساطةِ نبيلةً ونزيهةً، غيرَ أنَّ حكومةَ أردوغان ومنذُ بدايةِ الأزمةِ انحازتْ بشكلٍ كليٍّ للجانبِ القطريِّ، وليسَ أدلّ من شيءٍ علَى ذلكَ إلاَّ تصريح أردوغان الصريح بأنَّ مقاطعةَ قطر «عملٌ غيرُ إنسانيٍّ وعقوبةُ إعدامٍ»، فكيف يمكنُ للدولِ المتضررةِ من الأفعالِ القطريَّةِ أنْ تركنَ وتثقَ في الوساطةِ التركيَّةِ، خاصَّةً وأنَّ حكومةَ أردوغان وافقتْ على إرسالِ قواتٍ تركيَّةٍ إلى قطر، وأنَّ مسؤولين عسكريين أتراكًا هُم الآن في الدوحةِ للتنسيقِ في عمليَّةِ وصولِ القواتِ التركيَّةِ؟!.

على حكومةِ العدالةِ والتنميةِ التركيَّةِ، وفي مقدمتِهَا الرئيسُ أردوغان، ووزيرُ الخارجيَّة مولود أوغلو إن أرادُوا بالفعلِ أن يكونُوا وسطاءَ لحلِّ أزمةِ قطر، كون قطر حليفةً لهم، أنْ يكونُوا محايدِينَ نزيهِي الأهدافِ، أمَّا أنْ تكونَ تصريحاتُهم ومواقفُهم مؤيدةً بالكليَّةِ، وبلا حدودٍ للموقفِ القطريِّ، فهذَا ينفِي أيَّ إمكانيَّةِ لقبولِ توسطِهم من الطرفِ الآخرِ، ويلغِي نهائيًّا إمكانيَّةِ القبول بأيِّ دورٍ تركيٍّ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store