Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

نحن وقطر.. رهانات الأزمة تحت سقف الحل

A A
ليست أزمة عادية، مثل سائر الأزمات، وليست إضافة عددية إلى أزمات سبق أن أثارتها قطر مع جوارها الخليجي أو محيطها العربي الأوسع، فالأزمة هذه المرة، أوسع نطاقًا، وأثقل وطأة، وأعمق أثرًا.

أول أوجه الاختلاف بين الأزمة الراهنة، وبين جميع ما سبقها من أزمات، هو انكشاف مدى ونوع السلوك العدائي القطري، ضد دول بمجلس التعاون الخليجي، إذ لامس السلوك القطري حدود استهداف صميم وجود دول خليجية كالبحرين والإمارات والسعودية.

ثاني أوجه الاختلاف هو تزامن السلوك القطري العدائي، مع مخططات خارجية إيرانية بالأساس، استهدفت تطويق المملكة شمالًا من العراق وسوريا، وجنوبًا من اليمن، وشرقًا عبر استهداف البحرين.

ثالث الأوجه، هو تورط قطر في تسليح وتمويل جماعات إرهابية، تستهدف البحرين والإمارات والسعودية ومصر، بما يهدد الأمن والاستقرار في تلك الدول، لحساب قطر أو لحساب من تعمل لحسابهم في المنطقة (إيران أو تركيا أو إسرائيل).

رابع أوجه الاختلاف، هو الظرف الإقليمي، والدولي، الذي جرت فيه المؤامرة القطرية، حيث تخوض أغلب دول المنطقة صراعًا من أجل البقاء، بينما تنهش الحروب الأهلية، أوطانًا كالعراق وسوريا وليبيا واليمن.

أما خامس أوجه الاختلاف، فيتعلق بسقف أية تسوية محتملة للأزمة الراهنة، فارتفاع سقف المؤامرة القطرية، رفع في المقابل سقف المطالَب الخليجية/ المصرية.. التي ما عادت تقبل بتقبيل الخشوم، ولا بالاعتذارات الشفهية.

المطلوب من قطر هذه المرة، التخلي المطلق عن سياسات دأبت عليها طوال ما يقرب من ربع قرن، وإعادة هيكلة مؤسسات (قناة الجزيرة مثلا) أقيمت خصيصًا لتنفيذ المخطط القطري، الذي قاد الأزمة الراهنة إلى محطتها الأخيرة.

سادس أوجه الاختلاف، تتعلق بهوية الجيل، الذي يخوض المواجهة هذه المرة، حيث تتصدى للمواجهة قيادات شابة في الدول الأطراف في الأزمة، تنتمي للغد لا للأمس، وتتحرك متحررة من قيود وضوابط كانت إلى وقت قريب، جزءًا من قواعد وأصول التعامل مع الأزمات في الماضي.

اختلاف طبيعة الأزمة، وتعدد أطرافها، وتباين ظرفها، قادها مبكرًا إلى منصات التدويل، خارج البيت الخليجي، بعدما استدعت الدوحة تدخلًا عسكريًا أجنبيًا (تركي- إيراني بالأساس)، وبعدما دخلت أوربا وروسيا والولايات المتحدة على خطوط الوساطة.

فرص نجاح الوساطة، رغم تعدد الوسطاء، وربما بسبب هذا التعدد ذاته، لا تبدو كبيرة، لكن أي تصعيد في الأزمة لن يلامس على الأرجح حدود الاستخدام المباشر للقوة.

كذلك فإن فرص تخفيف المطالَب الخليجية تبدو محدودة، مع غلبة تصورات سائدة في المنطقة، بأن الأزمة الأخيرة تطرح فرصًا قد لا تتكرر لتصحيح البوصلة في الدوحة.

النتائج التي قد تسفر عنها الأزمة الخليجية- المصرية/ القطرية، قد تشكل جانبًا مهمًا من الصورة الكلية الجديدة للمنطقة على مدى ربع قرن من الزمان، وهذا ما يجعل أطرافها أكثر تشددًا وأقل استعدادًا للحلول التصالحية، فهزيمة قطر في هذه المواجهة، سوف تعني تقليص حضورها الإقليمي والإعلامي في المنطقة، كما يعني أيضا نقطة بداية جديدة لقيادات خليجية شابة، تتبنى رؤية براجماتية للإقليم، لا تقيم وزنًا لاعتبارات تقليدية طالما حكمت في السابق علاقات دول الإقليم.

المخاطر التي تكتنف الأزمة مع قطر، كبيرة، والرهانات عليها أكبر، وعوائد الفوز فيها أكبر وأكبر، كذلك فإن تأثيراتها المُحتملة كبيرة سواء على الأوضاع الداخلية في كل دولة، أو على مساحات النفوذ الإقليمي لكل منها.. كل هذا يدفع الأزمة إلى مناطق تصعيد أعلى، لا يحتملها الحكم في قطر ولا يقدر وحده على ارتيادها.

بحسابات المنطق، وبموازين القوة، وبمقاييس القدرة، لا تستطيع قطر، مهما فعلت، أن تتحمل العزلة الخليجية طويلًا، ولا تستطيع أيضًا مهما حاولت، الإضرار بمصالح دول الخليج ومصر، ولا يستطيع الحكم فيها مهما حاول النجاة بنفسه دون الوفاء باستحقاقات الجوار الخليجي والانتماء العربي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store