Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

من سوء الظن أن البكاء من الفن

الحبر الأصفر

A A
يَقولُ عُلَمَاءُ النَّفسِ: «إنَّ الإنسَانَ ضَحيَّةُ كَلِمَاتِهِ»، فالكَلِمَاتُ التي يُردِّدُهَا اليَومَ ستَكونُ غَدًا أفكَارًا، والأفكَارُ تَتحوَّلُ إلَى مُمارساتٍ وعَادَاتٍ، والعَادَاتُ تَتحوَّلُ إلَى قَنَاعَاتٍ، والقَنَاعَاتُ تَتحوَّلُ إلَى مُعتقدَاتٍ، وبَعدَ ذَلكَ يُصبحُ مِن الصَّعبِ عَلى الإنسَانِ؛ تَغييرُ عَادَاتِهِ، أَو قَنَاعَاتِهِ ومُعتقدَاتِهِ..!

وحَتَّى نَطرحَ المِثَالَ، دَعونَا نَأخذ الأغَانِي، كشَاهدٍ عَلَى مَا آلَتْ إليهِ الأحوَالُ: إنَّني أَشعُرُ بالحُزنِ حِينَ أَرَى انتشَارَ الأَغَانِي الحَزينةِ، والمُحطِّمةِ للنَّفسِ، مِثل «يَا نَدمَانة»، «يَا عبَّاس»، «مَهموم صِرت أَسمَع أُم كلثوم»، أَو تِلكَ الأغَانِي، التي لَيسَ لَهَا عَلَاقَةٌ بالحُبِّ، بَل بـ»الدَّعوجيَّةِ» والوَعيدِ مِثل: «والله لَا آخَذ حَقِّي مِنَّك»، «والله لَا أَوريكم فِيهِ»، «نَاوي لَك عَلى نيَّة»..!

مُنذُ فَترةٍ، عَاهدتُ نَفسي بأنْ لَا أَسمَعَ إلاَّ تِلكَ الأغَانِي، التي يَعيشُ شَاعرُهَا وكَاتِبُهَا السَّعَادَةَ، أَو يَرسمُ الأَمَلَ بَعدَ مَحطَّاتِ الأَلَمِ، أَو يَصفُ الضَّحكَاتِ بَعدَ أَنْ تَعبَ ومَلَّ مِن البُكَائيَّاتِ..!

أَكثَرُ مِن ذَلكَ، إذَا أَصَابنِي يَأسٌ، جَلستُ مَعَ نَفسِي العَزيزَةِ الغَاليةِ مِن غَيرِ مَحْرَمٍ، واستَمعتُ إلَى «طَلال مدَّاح»- رَحمَهُ اللهُ- حِينَ غَنَّى: «وابتدَت أيَّام تِحلَى»، أَو «اليَوم يمكن تقُولي يَا نَفسي إنَّك سَعيدة».. وأَحيَانًا أَهربُ إلَى صَومعتِي، لأستَمعَ إلَى أُغنيةِ الصَّديقِ «محمد عبده»: «هلا بالطيَّب الغَالِي»، و»لَيلة خَميس»، و»انورتْ سودة عسير بطلعتَك».. وأَحيَانًا تَتغيَّر البُوصلَةُ الاحتفَاليَّةُ، لأستَمتعَ بأغَانِي لأُمّ كلثوم مِثل: «أَلف ليلَة وليلَة»، و»إنتَ عُمري».. إلخ..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: أيُّها النَّاسُ، أَنتُم عِبَارة عَمَّا تُردِّدون، فإذَا رَدَّدتُم أُغنية: «أَبكِي عَلى مَا جَرَى لِي يَا هَلي» لمُدَّة أسبُوعٍ، فستَنْفَد كُلُّ عِلَبِ المَنَادِيلِ مِن مَنَازلِكُم..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store