Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

النوم المعكوس!

A A
من الـمعلوم أهمية النوم السليم للإنسان، وانتظام حياته باتباع الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، بالنوم ليلًا والاستيقاظ نـهارًا، فقد قال تعالـى: (وجَعَلْنَا الّليل لِبَاسًا.. وَجَعَلْنَا الـنّـهارَ مَعَاشًا)، فمحاولات الإنسان لتغييـر فطرته، تبوء دومًا بالفشل، وتـتسببُ في النهاية باضطراباتٍ صحيةٍ ونفسيةٍ معلومةٍ طبيـًا، فضلًا عن مشكلاتٍ سلوكيةٍ تصيبهُ نتيجة السّهر الـمُـفرط واختلال أوقات النوم والاستيقاظ وانعكاسها، وخروج نسَق ساعته الـحيوية عن الدورة الكونية للشمس والقمر.

ومن الـمُـلاحظ اتصافُ الـمجتمع السعودي الـمدنـي بـمجتمع "الأربعِ والعشرين ساعة"، حيث يعمدُ كثيرون إلـى تـجاهلِ حاجتهم الفطرية الطبيعية للنوم خلال ساعات الليل، ويعكِسون نـمط نومهم تـمامًا، وبـخاصة خلال مواسم الإجازات والتحرّر من ارتباط الدراسة أو العمل، في مـخالفةٍ صريـحة للفطرة السليمة، ومُـحاولاتٍ غير مُـجديةٍ لتعويض ما ينقصهم من نومٍ جيد خلال ساعات النهار، مـما يعنـي معاناتـهم بشكلٍ تلقائي من أعراض الـحرمان من النوم السليم، كفرط النعاس والإرهاق أثناء النهار، وتعكّر الـمزاج، وتأثـر نظام الـمناعة سلبًا، واختلال عمل هرمونات الـجسم ووظائفه الـحيوية بشكل يعرّضهم لـخطر الإصابة بأمراضٍ عضوية مُزمنة.

من الضروري تبيان الفرق بيـن الـحرمان الطّوعي من النوم، والأرق الـمزمن، فالثانـي عدمُ القدرة على النوم، وأما الأوّل -وهو مـحور الـمقال- يوصف بعدم رغبة الفرد في الـخلود للنوم واتباعه سلوكيات من شأنـها تأخيـر وقت النوم أو اختلاله، نتيجة ارتباطه بـمهام العمل أو الدراسة، أو أمورٍ اجتماعيةٍ أو ترفيهيةٍ أخرى كالـمشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي شكّلت لدى بعض الناس هوسًا وهاجسًا يُفضّلونه على التمتّع بساعات نوم هانئة.

من الـمهم نشرُ التوعية الفرديةِ والـمجتمعية الـمؤسساتية والإعلاميةِ بالنوم السليم ليلًا وضرورته الصحية والـمزاجية، ومـحاولةُ تغييـر العاداتِ السلوكية الاجتماعية، التي تضرُّ بـجمهور الأفراد وتُشجّع على السّهر الـمُـفرط، كما من الضروري جعلُ النوم أوّلـيّـة في الـجدول اليومي كحالِ الطعام والشراب، وضبطُ الساعة الـحيوية للتحفيز على النوم بالليل عن طريق التخلّص من الارتباطات الاجتماعية قدْر الإمكان، وتناول الـخفيف من الطعام خلال الليل، والتقليل أو الامتناع عن الكافييـن والنيكوتيـن، وخفض الأضواء ومنع الضوضاء بالليل، والتخفيف من استخدام الـهاتف النقال والإنترنت، كما يـمكن استعمالُ دواء "ميلاتونـيـن" عند الـمساء لعدة أيام لـمحاولة ضبط الساعة الـحيوية للجسم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store