Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

قطر.. الصفحة التالية في كتاب الأزمة

A A
السؤال الذي يشغل الجميع الآن في قطر وخارجها هو: ما الذي يمكن أن يحدث بعد انتهاء فترة الأيام العشرة (بعد غد الأحد)؟.

قوى عظمى وكبرى، دولية وإقليمية، انشغلت بمحاولة استكشاف ما يمكن أن يحدث إذا لم تُسارع قطر إلى التقاط العرض الرباعي -الخليجي/ المصري-، كلهم يريد أن يعرف ما هي الصفحة التالية في كتاب الأزمة؟.. هل تذهب إلى تصعيد كلاسيكي يمضي بأطرافه إلى نقطة الصدام المُسلَّح، أو حتى يقترب منها؟.. أم أنها قد تذهب إلى نقاط الإيلام الاقتصادي والتجاري والمالي والسياسي، الذي لا تستطيع قطر احتماله طويلاً؟.

لا أحد يريد الذهاب إلى منطقة العمل العسكري المباشر، بكل انعكاساته المُحتملة على الإقليم، وعلى الصراع الدائر في سوريا والعراق، وعلى فرص ومخاوف كل من تركيا وإيران فيه، وبسببه، لكن أحداً لا يملك- أيضاً- ترف استبعاد العمل العسكري، إذا ما تمدَّدت الأزمة وطال زمانها، بكل الانعكاسات المُحتملة على حركة التجارة الدولية مع المنطقة، وعلى استقرار أسعار النفط والغاز في السوق العالمي، وعلى فرص تحقيق الاستقرار في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

أكثر ما يمكن أن يُطيل أمد الأزمة في الخليج، هو هذا التردد العاجز أحيانًا، والانتهازي في أغلب الأحيان، الذي تبديه حكومات دول كبرى، يقول خطابها السياسي إنها تُحارب الإرهاب وتُلاحق مَن يدعمونه بالمال والفكر والسلاح، لكنها لا تفعل ما يكفي للضغط على قطر سياسياً، وتجارياً، لحملها على الالتزام بالعودة إلى صفوف الدول التي تتصرف بمسؤولية في الحرب على الإرهاب.

وأكثر ما يمكن أن يحمل تلك الأطراف الدولية المترددة، بالعجز أو بالانتهازية، على تغيير موقفها والانتقال إلى معسكر الحسم والحزم والعزم، في الحرب ضد الإرهاب، هو عقوبات تجارية تنال من الشركات والحكومات التي تدعم دولة مارقة.

تلميحات مسؤول إماراتي بشأن تخيير الشركات التي تواصل التعامل مع قطر، بين التجارة مع الدوحة وبين التجارة مع الدول الأربع، تشير إلى أن عقوبات تجارية قد تنال من حلفاء قطر التجاريين ما لم يحسموا خياراتهم، هل هم مع الحرب ضد ممولي الاٍرهاب، أم مع الانحياز إلى جانب مَن يدعمون الإرهابيين؟!.. وأظن أن الضغوط التجارية الخليجية قد تكون عامل حسم لرسم خارطة تحالفات جديدة في الأزمة مع الدوحة.

بعض أطراف الأزمة مع قطر، هم أنفسهم أطراف مباشرة، أو غير مباشرة في الأزمة السورية، ما يطرح بدوره سؤالاً هاماً، حول علاقات، أو تأثيرات محتملة، للحرب الدائرة في سوريا والعراق، على الأزمة القطرية وتفاعلاتها.

بعض ملفات الأزمة السورية، يجري طيّها فيما توشك الحرب على داعش في سوريا والعراق أن تضع أوزارها، بينما تلوح مُقدِّمات مشهد لاقتسام الغنائم تتقدَّم فيه القوى العظمى على المسرح السوري (أمريكا وروسيا) والقوى الكبرى (بريطانيا وفرنسا)، بينما تتراجع في الخلفية صور إيران وتركيا.

تراجع أنقرة وطهران إلى خلفية المشهد السوري في الأيام المقبلة، قد يُصاحبه نهم الدولتين إلى أدوار بديلة في الخليج، عبر البوابة القطرية، وبدعوة صريحة من الدوحة. بل إن قوى كبرى ربما تتيح للأتراك والإيرانيين فرصاً للعب في الفناء الخليجي عبر البوابة القطرية، على سبيل التعويض عن تنازلات قسرية سيُقدِّمانها فوق المسرح السوري.

هذا الاحتمال، يستحق الاهتمام، وإن رَآه البعض ضعيفاً، ما يستدعي حسماً خليجياً، لا يدع أية فرصة ولو ضئيلة، لحضور عسكري تركي أو إيراني في الخاصرة الخليجية بقطر، كما يقتضي أيضاً، تهيئة المسرح الخليجي لتحديات أمنية واستراتيجية، قد تمتد لبعض الوقت، وفي كل الأحوال فإن الأزمة القطرية، تستدعي اختراقاً خليجياً جسوراً، يستعيد قطر إلى الحضن الخليجي، ويغلق النوافذ والأبواب أمام الطامعين في الخليج من الإقليم أو من خارجه.

الاختراق الخليجي الجسور، للأزمة مع قطر، يقتضي وضع الأصدقاء المترددين في الغرب أمام مرآة يَرَوْن فيها الحقيقة.. عليهم أن يجيبوا عن السؤال: هل هم جادون في محاربة الإرهاب، أم أنهم يُخطِّطون لاستثماره وإدارته؟!

إن كانت الأولى، بات عليهم دعم إجراءات دولية لمعاقبة ممولي الإرهاب وفيهم قطر، وإن كانت الثانية، بات علينا مراجعة حسابتنا وخططنا، وبرامج عملنا في الحرب ضد إرهاب يستهدف صميم وجودنا.

عملية طَي البساط في سوريا والعراق تجري على قَدَم وساق، لكن ثمة ممرات للهروب تركها البعض أمام دواعش مدحورين، قد يذهب بعضهم لإشعال جبهة أخرى في ليبيا أو في مصر أو في الخليج.

قطر بؤرة محتملة لاستقطاب بعض دواعش سوريا والعراق، تسعى لاستنزاف طويل لدول المنطقة، ما يقتضي تحركاً حكيماً، وجسوراً، وحاسماً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store