Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

أسئلة التغيير والتطوير في المملكة

A A
هل يُفترض حقًا النظرُ إلى السياسة على أنها العنصر الوحيد عند الحديث عن التغيير والتطوير في المملكة؟ وكيف يمكن، بالمقابل، استعادة الرؤية الشمولية لعملية التغيير، متضمنةً دور الثقافة والتعليم، والإعلام والاقتصاد، والإدارة والأدب والفن، في صياغة ثقافة التغيير؟.

هل هناك دورٌ، في عمليات التغيير والتطوير، للهياكل والمؤسسات والجمعيات التي تُمثِّل المصالح والشرائح المتنوعة في المجتمع؟ وما هي طبيعة هذا الدور وأبعاده؟ وكيف يمكن التعبير عن طموحات وتطلعات وآراء ومواقف تلك الشرائح بأشكالٍ مبتكرة تحمي، في نفس الوقت، المجتمع من التضارب الممكن في رؤاها ومصالحها؟.

ما هي عناصر الثقافة السياسية الجديدة التي يجري تشكيلها في المجتمع؟ وما هو دور الثقافة الدينية في تشكيل الثقافة السياسية؟ وكيف يمكن تحديد ملامح قراءة تجديدية اجتهادية للدين تساعد على تشكيل الثقافة السياسية المطلوبة؟ وهل يمكن التعاون بين العلماء الشرعيين والمختصين الأكاديميين والمثقفين للقيام بتلك المهمة؟.

ما هو دور الإعلام في تشكيل ثقافة التغيير والتطوير إجمالًا؟ وفي تشكيل الثقافة السياسية المطلوبة خارج إطار الفهم التقليدي لدور الإعلام؟ كيف يمكن للإعلام أن يلعب دورًا بناءً وإيجابيًا فعليًا لتحقيق ذلك، بعيدًا عن النظر إلى (الربح) كهدفٍ واحدٍ ووحيد؟.

هل هناك خطورة انقطاع بين الأجيال فيما يتعلق بالتغيير، الحاصلِ حُكمًا، في الثقافة السياسية والاجتماعية والدينية؟ وكيف يمكن أن يحصل التواصل بين الجيل الشاب الجديد، الذي ينمو مع قرارات التغيير وملامحه، وبين الجيل السابق الذي اعتاد، ثقافيًا وعمليًا، على منظومةٍ معينة تمّ التعارف والاستقرار على قواعدها الاجتماعية والفكرية في العقود الماضية؟.

كيف يمكن توظيف الرؤية الاقتصادية الجديدة في تشكيل ثقافةٍ اقتصادية ومنظومةٍ اقتصادية تتواءمان مع خصوصية وأولويات التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي المتواصل في المملكة، وتستوعبان في الوقت ذاته الشروط والتحديات التي تفرض نفسها دوليًا في المراحل القادمة؟ وما هي وظائف ودور كلٍ من القطاعين العام والخاص في مجمل هذه العملية، بشيءٍ من التحديد، وبعيدًا عن التعميمات المألوفة؟.

هذا غيضٌ من فيض الأسئلة التي يمكن طرحُها في سياق حديث التغيير والتطوير الذي بات موضوع الساعة في السعودية. واضحٌ من طبيعة الأسئلة أنها يمكن، بل ويجب، أن تكون مواضيع بحثٍ جديٍ يأخذ وقته الذي يستحقه، بعيدًا عن التناول السطحي السريع لها في ملاحظة إذاعية هنا أو عمودٍ صحفي هناك أو لقاء تلفزيوني هنالك. ولابد من الإشارة هنا إلى الدور الخاص للأكاديميين إجمالًا، وللعاملين في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية تحديدًا، وإلى الجهد المطلوب منهم، بحيث تكون تلك مجالات أبحاثهم وأبحاث طلبتهم على كل المستويات، ومن خلال جميع القنوات العلمية المعروفة في المجال الأكاديمي.

ثمّة مؤشرات كثيرة على أن مجمل هذا الحراك مُنتظرٌ ومطلوبٌ من قبل قيادة التغيير. ولا داعي للتردُّد في الإقدام عليه بدرجاتٍ ممكنةٍ دومًا من الإبداع والابتكار.

فرغم أن المبادرة بالتغيير والتطوير، مِن فَوق، تُعتبر مكسبًا للتجربة السعودية الراهنة، غير أن مُبادرة الجهات والمؤسسات الفاعلة في المجتمع للقيام بدورها أيضًا باتَ من الضرورة بمكان. وهذا ليس فقط لتأمينِ جميع مقومات النجاح لهذه التجربة، بل لأنه أكثر ما يضمنُ استمرارها دون هزاتٍ اجتماعية أو ثقافية، ودون أن يتضارب هذا مع الاستقرار المطلوب. فإضافةً إلى مبادرة القيادة السياسية لتحريك عملية التغيير وتسريع خطواتها، يبدو واضحًا أن المجتمع السعودي منفتحٌ نفسيًا لصيرورةٍ مختلفة وأسلوبٍ مغاير لتحقيق أهداف التغيير.

غير أن الانفتاح النفسي للمجتمع السعودي لا يكفي وحده لـ(تفعيل) عمليات التغيير والتطوير و(توسيع) آفاقها و(تحديد) ملامحها القريبة والمستقبلية. وإنما ينبغي أن يصاحب ذلك حراكٌ يقوم به المثقفون والإعلاميون والتربويون والأكاديميون يهدف إلى المساهمة في عمليات التفعيل والتوسيع والتحديد المذكورة أعلاه، بالجُرع الضرورية وفي الوقت المناسب. صحيح أن هناك جهودًا فردية وأحيانًا مؤسساتية تصبُّ في هذا الإطار، لكن المطلوب، على صعيدي الكمّ والكيف، يبقى أكثر مما هو قائم، بالنظر إلى حجم المهمة الكبير وطبيعتها الخاصة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store