Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

«جوزيف زيادة».. الحبيب القاتل

A A
يبدو واضحا من خلال ما ذكرناه في سلسلة مقالات (رجال في دوامة حب مي زيادة)، أن حياة مي لم تكن سهلة ولا بسيطة بسبب الرجال الذين أحبوها، أو دخلوا حياتها كل بطريقته، من العادي المتعقل إلى المجنون، إلى رافض الزواج إلا بها قبل أن ينهي حياته أعزب، وتركوا فيها آثارا سلبية أو إيجابية. طبعا، لا نعرف الشيء الكثير عن مراهقتها. المراهقة ترسم عادة، على المستوى العاطفي، ما سيأتي لاحقا في حياة الكثير من الأفراد. هناك تعتيم واضح. عاشت مي أكثر من ثلاث سنوات في مدرسة راهبات الزيارة (١٩٠٠- ١٩٠٣)، في عينطورة. مما فرض عليها حياة صارمة، وأحيانا شديدة القسوة جعلتها تنكفئ على نفسها وتعيش عاطفتها داخليا. كانت مي تراسل ابن عمها نعوم الذي خُطبت له على الرغم من رفضها له. في تلك الفترة اتفقت عائلة زيادة في الجبل على حماية أراضي العائلة بالخصوص وأنها كانت وحيدة والديها وهشة، وتحتاج إلى حماية أكيدة من آل زيادة، وكانت أملاك والدها في لبنان تحتاج إلى نوع من الحفظ بعدم خروجها من دائرة العائلة. مي لم تكن مقتنعة بابن عمها نعوم، إذ لا شيء يجمعهما. على العكس من أخيه جوزيف الذي كان يدرس الطب في بيروت، ويهتم بالأدب الفرنسي، قبل أن ينتقل إلى فرنسا ويقيم مدة هناك في إطار تكوينه الطبي. ظلت تراسل نعوم باسم مستعار هو كنار شهاب لم يعرف مصدره إلا لاحقا. وكان نعوم زيادة أيضا يتكئ في الرد على رسائله بكتابة عشقية باذخة كان ينجزها له صديقه: الفنان الأنيق جوزيف الحويك. وكأنها كانت تنتظر سببا وحيدا لفسخ الخطوبة. عندما عرفت سر سحر رسائل خطيبها غضبت منه غضبا شديدا. شعرت مي بالإهانة الكبيرة. جمعت وهي في مصر، رسائله وخاتم الخطوبة، وهداياه، وبعثتها له، وقطعت معه نهائيا والتفتت نحو أخيه جوزيف زيادة الذي ظل قريبا منها ويتفاهم معها بشكل جيد. لكن هذا الأخير تزوج بفرنسية. حاولت أن تنساه لكنه ظل ابن العم الأقرب إليها على الأقل من خلال رسائله وأكثر الناس تفهما لها. وعندما توفيت زوجته الفرنسية، زاد هذا القرب من خلال المراسلات. وكانت تثق فيه كثيرا. لهذا، عندما تأزم وضعها بفقدان والدها وجبران ووالدتها، استنجدت به أولا قبل أصدقائها المحيطين بها، برسالة كتبتها له باللغة الفرنسية. كتبت تستعطفه أن يأتي لإنقاذها من انهيار وشيك. استمع لها أخيرا وهو يعرف هشاشتها جيداً وضعفها نحوه. واستجاب لها في عام ١٩٣٦وهي في القاهرة. يستغل الفرصة، وينفذ ما اتفقت عليه العائلة بليل، للاستيلاء على أملاكها وميراثها من والدها، مخافة أن يسطو عليها آخرون. يصل إلى القاهرة، فيجدها مفرطة في التدخين، متدهورة الصحة، تقول مي عن جوزيف بعد أن تفطنت للعبة الخطيرة: «الحقيقة هي أنه هرع ليستكشف أعمالي، ويقف على سرائر مصالحي وشؤوني فيستولى على كل شيء في حياتي، وكان أن خاطبني برقته المألوفة في تعيينه وكيلا عني، ليخدمني ويطمئن بالي، فأجبت بألا أملاك لي في مصر وأن أعمالي المالية منظمة تنظيماً لا يحوجني إلى مساعدة أحد فألح وقال: «فكري بهذا إكراما لي»، قلت: «سأفعل وإن لم يكن هناك ما يدعو إلى التفكير»، وبعد هذا بيومين جاءني مع رجلين من أنسبائي كانا يلازمانه في بيتي وفي الخارج طوال مدة إقامته في مصر، يتبعهم «باشكاتب محكمة عابدين» ووكيله -على ما قيل- وفتح «الباشكاتب» دفترا كبيرا جدا على سريري، وسحب الدكتور زيادة قلم الحبر وقدمه لي طالبا مني أن أوقع في الدفاتر، أي تأثير سيطر علي في تلك الساعة؟ كيف لم أعجب لمجيء الباشكاتب دون أن أستدعيه، وكيف لم أرفض التوقيع؟ لست أدري.. بحركة ميكانيكية تناولت القلم ورفعت نظري إلى الباشكاتب أستفهم عن المكان في الدفتر حيث أكتب اسمي، فنظر إلي نظرة طويلة كأنما هو عالم بما سيجره عليَّ هذا التوقيع من المصائب، ثم أشار إلى مكانين اثنين فوضعت توقيعي مكررا: «ماري زيادة» وتصبح في ثوان محدودة كل أملاكها بيدي ابن عمها جوزيف. الذي يعود بها إلى بيروت بغرض مساعدتها على تجاوز محنتها، لكنه يرميها في مستشفى الأمراض العقلية العصفورية الذي ستقضي به عشرة أشهر بين المجانين بعد أن تم الحجر عليها، قبل أن تفك كربتها وتنقل إلى المستشفى الأمريكي: نيقولا ربيز. كانت ضحية ثقتها في جوزيف وربما حبها له. كانت تحبه. هذه قناعتي. لا نستنجد في قضايا حساسة بأي شخص. ربما احتاجت هذه العلاقة إلى الكثير من البحث ودراسة عميقة لرسائلهما.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store