Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

إلغاء الإفطار الرمضاني في البيت الأبيض

A A
على مدى عشرين عاماً اعتاد البيت الأبيض على إقامة مأدبة إفطار رمضاني يحضرها شخصيات أمريكية مسلمة، وأعضاء من الكونجرس، ودبلوماسيون من الدول الإسلامية. في هذا العام فاجأ الرئيس دونالد ترامب الجميع بعدم تنظيم حفل الإفطار السنوي، حيث رفض وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، طلباً من مكتب الأديان والشؤون العالمية بوزارة الخارجية لاستضافة الحفل.

هكذا كسر ترامب العادة واكتفى بتوجيه تهنئة للمسلمين قال فيها: «نيابة عن الشعب الأمريكي، نرسل -ميلانيا وأنا- تحياتنا الحارة إلى المسلمين الذين يحتفلون بعيد الفطر. يتوحد المسلمون في أمريكا مع مسلمي العالم خلال شهر رمضان بالتعبد وأعمال الخير، وفي هذا العيد، تعود إلى أذهاننا أهمية قيم الرحمة والتعاضد وفعل الخير. أَثْناء هذا العيد نتذكر أهمية الرحمة والعطف والإحسان، ونجدد التزام الولايات المتحدة بالقيم الأخلاقية النبيلة في تعاملها مع كل المسلمين في أنحاء العالم. عيد مبارك».

وكان من الطبيعي أن يكثر الجدل حول دوافع ترامب لقطع تلك العادة ـ فالرئيس ترامب في وضع حرج يجعله أحوج ما يكون إلى القيام بمبادرة كهذه، فموقفه من المسلمين خلال حملته الانتخابية أظهره كمعادِ للإسلام، وكمروّج للاسلاموفوبيا. وقراره بحظر دخول مواطني ستة دول إسلامية إلى الولايات المتحدة قد وتَّرَ علاقته مع المجتمع الإسلامي.. ألم يكن الإفطار الرمضاني فرصة سانحة لإثبات نواياه الحسنة تجاه هؤلاء؟ لماذا اختار ترامب أن يخرج عن الخط الذي رسمته ثلاث إدارات سابقة لسياسة البيت الأبيض في تعاملها مع المسلمين؟.

بدأ التقرّب من المسلمين خلال رئاسة بيل كلنتون في سنة 1996، وكانت هيلاري كسيدة أولى للبيت الأبيض هي المتصدرة في مسألة الاستضافة الرمضانية، وعلى ذلك دأبت إدارة جورج بوش، حتى في ذروة الغضب على الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر، وسار باراك أوباما في الركاب حتى يثبت أن الحرب على المسلمين ليست حرباً على الإسلام.

وصفت هيلاري كلينتون حفلها بأنه تاريخياً، ليس فقط لأنه يسجل نقطة ساطعة في العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمسلمين، بل لأنه يسترجع لحظة تاريخية قديمة أسّست لتلك العلاقة. حاول البيت الأبيض أن يربط بين هذا الإفطار الرمضاني المُستحدث، وبين إفطار أقامه توماس جيفرسون في البيت الأبيض سَنَة 1805، ليظهر أن الإسلام كان دائماً جزءا من المكون الأمريكي. في ذلك العام كان السفير التونسي سيدي سليمان ميلميلي في واشنطن للاجتماع مع الرئيس جيفرسون، وبما أنه كان صائماً فقد اعتذر عن وجبة الغذاء في البيت الأبيض، فما كان من الرئيس الأمريكي إلا أن قام بتأخير الوجبة إلى ما بعد الإفطار.

وكما يتضح، فليس في هذه الحادثة ما يُدلِّل على بداية تقليد عريق انتهجه البيت الأبيض في دعم العلاقات مع المسلمين هناك، خاصة وأن تلك الحادثة لم تتكرر على مدى قرنين، ولم يحييها سوى ثلاثة من 45 رئيسا أمريكيا، هم كلينتون وبوش وأوباما. وسواء كان ترامب مخطئاً أو مصيباً في إلغاء الإفطار، فإن الإدارة الأمريكية ليس لديها تقليد متوارث لإقامة هذا الإفطار، لذلك فإن ترامب هو الذي التزم بالتقاليد الأمريكية الأصيلة حقاً، وترك ما طرأ عليها من تغيير. كان التغيير طامحاً سياسياً ودبلوماسياً إلى التقرّب من جماعة معينة من المسلمين، وإلى تقديمها إلى العالم على أنها معتدلة ووسطية وقادرة على قيادة العالم الإسلامي الجديد. واليوم يُعيد ترامب الأمور إلى نصابها.. فلا تقرُّب لهذه الجماعة، ولا إفطار، ولا أضواء خضراء على رأس الإمباير ستيت.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store