Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

في الأزمة القطرية: التسوية ليست قريبة والحل ليس بعيداً

A A
تستوقفني اللغة ومفرداتها كثيرًا، كلما تعلق الأمر بالسياسة، أو بالقانون، أو بالاقتصاد، فتستحوذ على اهتمامي، بل وتوجه بوصلة أفكاري أحيانًا، إلى هذا الاتجاه، أو إلى ذاك المنحى.

في إعلان الرباعية العربية، بشأن الشروط الثلاثة عشر لتسوية الأزمة مع قطر، بدت اللغة كاشفة لعمق الأزمة، بين طرفيها، حائرة، أو خجلى، أو مترددة، هل ترسل إنذارًا، أم تطرح عرضًا.

قد تبدو المسافة بعيدة بين الإنذار «ultimatum» وبين العرض «offer»، لكنها في إعلان الرباعية العربية، بدت متداخلة، أو ملتبسة، تعكس حيرة الأخ العربي الأكبر إزاء انفلات أصغر أشقائه على الإطلاق.

تُعرِّف قواميس السياسة الإنذار بأنه: «مطلب نهائي أو مجموعة شروط غير قابلة للتفاوض، يطرحها أحد الأطراف بالأزمة، يقود رفضها إما إلى قطع العلاقات، وإما إلى استخدام القوة».

الصيغة التي خرج بها إعلان الرباعية العربية، والتي اشتملت على ثلاثة عشر شرطًا، يتعيَّن على قطر الوفاء بها جميعًا دون التفاف أو مواربة، لا تشتمل على عقوبة معلنة ومحددة، في حال عدم وفاء قطر بشروطها، وهي من ثم لم تكن «إنذارًا» رغم اشتمالها على مطالب وشروط، وعلى مهلة محددة للوفاء بها، بل إنها على طريقة العرض «offer»، تعتبر هذا العرض لاغيًا ومنتهيًا، إذا ما انتهت مدته (عشرة أيام جرى تمديدها لتصبح اثني عشر يومًا).

وهكذا، فإن ما قدمته الرباعية العربية لقطر، كان عرضًا «offer»، وليس إنذارًا«ultimatum».

الآن، وبعد انقضاء مهلة عرض الرباعية العربية، برفض قطر للعرض، وتمسك الرباعية بشروطه كاملة، تبدو الأزمة وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، لا يمكن فتح ثغرة فيه إلا بأحد طريقين:

الطريق الأول: تصعيد رباعي يحمل قطر على التخلي عن عنادها في الأزمة، بما يقود إلى تسوية ترضى عنها أطراف الرباعية.

الطريق الثاني: وساطة من طرف دولي يملك التأثير على الطرفين (قطر والرباعية).

الطريق الأول، يفترض أن ثمة أوراق ضغط كافية، ومؤثرة على الجانب القطري، من شأنها حال تفعيلها، حمله قسرًا من منطقة العناد الباطل، إلى منطقة الإذعان العاقل.

أوراق الضغط الفعالة بيد الرباعية، قد تكون كافية جدًا بسبب هشاشة مكونات الأمن القومي القطري خارج الحاضنة الخليجية.

المال هو أهم مكونات الحصانة القطرية، بدونه، أو مع نقصه، أو عدم استقرار موارده، تصبح قطر في مهب ريح حقيقية، لا قِبَل لها بالصمود في وجهها، والمال أيضًا هو عَصَب القوة الخليجية داخل الرباعية العربية، وهكذا فاستهداف القدرات المالية لقطر يمكنه مع الوقت، الحد بشدة من قدرتها على تمويل جماعات الإرهاب، واحتضان جماعة الإخوان، بكل فروعها، وأحزابها وأذرعتها الإعلامية.

تفعيل أوراق الضغط المالية، والاستخباراتية ضد العناد القطري، يقتضي، نفسًا طويلا، وطاقة صبر لدى أطراف الرباعية، الذين يتعين عليهم العمل على مدار الساعة، لتجنب اصطدام رغبتهم في الضغط المالي على قطر، بمصالح قوى مالية وسياسية دولية عظمى أو كبرى.

أتصور أن طاقة الصبر، والنفس الطويل لدى دول الرباعية، موجودة وكافية، لكن تفعيل تلك الطاقة وتمكينها من التأثير، يقتضي أداءً إعلاميًا حصيفًا، يستوعب الظرف، ويتفهم متطلبات الصبر فيه، ويكف عن الإلحاح المراهق، طلبا لمشاهد سيطرة مسرحية، قد ترضي الجمهور، لكنها لا تحمي مصالحه في النهاية.

أما الطريق الثاني، وهو وساطة من طرف دولي يملك التأثير على الطرفين (الرباعية وقطر)، فأظنه موجودًا أيضًا لدى الولايات المتحدة بصفة خاصة، لكن أحد أهم شروط الوساطة الناجحة لا يتوقف فحسب على طبيعة الوسيط، وإنما على نضج الظروف الموضوعية والذاتية الكافية لإنجاح مهمة الوساطة.

عملية إنضاج الظروف لوساطة ناجحة تقتضي أيضًا، الوقت الكافي لإنضاج شروط الوساطة، أما ما هو هذا الوقت الكافي، فهي حسبة رياضية وسياسية صعبة ومُعقَّدة، يدخل بين عواملها، ما قد يراه البعض غريبًا أو بعيدًا من عوامل التأثير، مثل تطورات الحرب على داعش في العراق وسوريا من جهة، ومثل احتمالات انشغال الولايات المتحدة بمهامٍ عسكرية واسعة في سوريا، التي توشك حقائق القوة على أرضها أن تضع نهاية للحرب بالتعايش مع واقع التقسيم.

أزمة قطر، كاشفة لكل علل النظام الإقليمي العربي، ولحالة الانكشاف الأمني العربي الراهن، أمام قوى غير عربية بالإقليم (إيران وتركيا وإسرائيل)، وما ستسفر عنه نتائج الصراع في الأزمة، سيسهم في صياغة حقائق جديدة للقوة في المنطقة برمتها، وفي تقرير الوزن النوعي للقوى الإقليمية بالمنطقة على مدى عقود أخرى مقبلة، وهذا أحد أبرز تعقيدات المشهد، الذي استدعى إلى مسرحه حضورا عسكريا مباشرًا للأتراك والإيرانيين، كلا يرقب ويتحيَّن ويتربَّص.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store