Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

الفجوة بين العبادة والسلوك

A A
إجابة ربانية لسؤال من الجائز جدًا أن يطرحه كل مخلوق من مخلوقات الله من الإنس والجن وهو: إن الله سبحانه وتعالى لم يخلقني عبثًا.. فلماذا خلقني؟!.

فكانت الاجابة الشافية من الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وهي قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ).

ثم حدد سبحانه وتعالى مفهوم تلك العبادة وأنواعها وسبلها وموجباتها في كل ركنٍ من أركانها، في مواضع عدة من كتابه الكريم، وحدد سبحانه وتعالى في كل عبادة من تلك العبادات المفروضة السلوكيات والمعاملات والقِيَم والمبادئ التي يستوجب أن تقترن بها كي تكون في مجموعها سلوك حياة لكل مخلوق من الجن والإنس، وللمزيد من التبليغ والتأكيد على توضيح تلك العبادات، بعث الله نبيه وصفيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون الأنموذج والقدوة في ممارسة تلك القِيَم والمبادئ والسلوكيات الحياتية بشهادة رب العالمين في قوله تعالى: (وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وكما بين صلى الله عليه وسلم سبب بعثه في قوله: «إنما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق»، ومكارم الأخلاق تشمل كل القيم والمبادئ والسلوكيات الفاضلة.

ومن هنا يتضح أن الله سبحانه وتعالى قد حدَّد تلك العبادات الربانية وأسلوب وموجبات كل عبادة منها في كتابه الكريم، ثم بعث الله سبحانه نبيّه وصفيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون القدوة المدنية التي يستوجب أن يكون عليها كل مؤمن في سلوكه ومعاملاته الحياتية.

ولو أسقطنا تلك الموجبات التي خلقنا الله سبحانه وتعالى من أجلها، وبعث لنا نبيه -صلى الله عليه وسلم- على ما يحدث من الكثير في مجتمعنا أثناء أداء عباداتهم اليومية، كالصلاة والدعاء، أو الحولية، كالصيام والحج والزكاة، لوجدنا أن الكثير من القِيَم والمبادئ والسلوكيات المفترض أن تنمِّيها وتُعزِّزها تلك العبادات، لتكون سلوك حياة، قد ضمرت وذبلت لدى كثيرين، مما يترتب عليه تباعد الفجوة بين موجبات ومطالب تلك العبادات -وما اقترن بها من الممارسات النبوية- وبين الممارسات لها من قبل البعض، حيث نجد أن البعض يحرص على أداء الصلوات التي تنهى عن الفحشاء والمنكر كما في قول تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، والفحشاء والمنكر هي كل سلوك مشين من قولٍ أو عمل، حيث نجد أن الكثيرين لا يلتزمون بترك السلوكيات غير الفاضلة بعد أداء صلواتهم، وكذلك عبادة الحج التي يستوجب أن تُعزِّز قِيَم العدل والمساواة والتكافل والتراحم والنظام، نجد أن الكثيرين يُخالفون ذلك بممارسة الظلم والعدوان والتصنيف والإقصاء، وهكذا الصيام الذي يستوجب أن يُعزِّز قِيَم وسلوكيات الصبر والمساواة والتكافل والتراحم، حيث نجد حجم التباعد بين الكثير من الصائمين وبين سلوكياتهم ومعاملاتهم الحياتية بعد الصيام، وهكذا الزكاة أيضًا التي يستوجب أن تُعزِّز قِيَم التعاون والتكافل والتراحم بين الغني والفقير، وكل من يستوجب أن تعطى لهم تلك الزكاة.

ومن هنا يتضح لنا أن تلك العبادات لم تُفرض إلا لتوحيد الله وعبادته، ولممارسة كافة القِيَم والمبادئ والسلوكيات الفاضلة، فهل يكون ذلك؟ هو ما نرجو، والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store