Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

لا خوف من حديث (التحديات) في مسيرة التغيير والتطوير

A A
بعيدًا عن الوقوع في عقلية (التنميط) Stereotyping والتعميم الكامل، ثمة كتاباتٌ في الغرب تُحللُ الفرق بين طريقة التفكير السائدة فيه، إجمالًا، وتلك السائدة في مجتمعاتنا، عندما يتعلق الأمر بـ(الصعوبات) التي تواجه الإنسان في الحياة.

وفق تلك الرؤية، تَنظر الغالبية في ثقافتنا إلى الصعوبات على أنها (تهديد)، وتفكر بها، لا شعوريًا، من دلالات ذلك المصطلح الذي يحمل، من البداية، في طيَّاته كثيرًا من الإشارات النفسية والعملية السلبية، وتفتح الطريق للعجز والاستسلام. فالذي يشعر بالتهديد يشعر بالضرورة أنه مُحاصر، وأن وجوده في خطر. مما يضعهُ ابتداءً في موقفٍ نفسيٍ وعقليٍ مهزوز وضعيف، هو في الحقيقة أقربُ للشلل الكامل، ويكاد يلغي قدرته الفكرية والإبداعية على العمل الإيجابي للتعامل مع (التهديد) المذكور.

في المقابل، ينظر آخرون في هذا العالم إلى ما يواجهونه من (صعوبات) من مدخلٍ آخر، وباستخدام مصطلحٍ مختلف هو (التحديات)، يحمل في طياته، من البداية أيضًا، كثيرًا من الميكانيزمات الإيجابية. فعند مواجهة التحدي، يمكن التفكير بصورةٍ رمزيةٍ لإنسانٍ يُشمّر عن ساعديه ويتهيأ للمواجهة، ممتلكًا فسحةً شعوريةً ونفسيةً وعقلية تفتح أمامه دومًا آفاقًا واسعة يفكر من خلالها بأساليب ووسائل لا حصرَ لها للتعامل مع التحدي.

ثمة علاقةٌ معقدة بين الألفاظ والمعاني من جهة، وتأثيرها في النفس البشرية سلبًا وإيجابًا من جهة ثانية، تَدرسُها كثير من العلوم، لا مجال للحديث عنها في هذا المقام.

لكن المقصود من الإشارة واضح. وأهم ما في الأمر أن القاعدة المذكورة تنطبق على المجتمعات كما تنطبق على الأفراد تمامًا، أن لم يكن بدرجةٍ أكبر.

وفي صناعة السياسة تحديدًا، لم يوجد سابقًا، ولن يوجد، بلدٌ في هذا العالم لا يواجه التحديات. بل أن جوهر علوم صناعة السياسات Public Policy ، خاصةً في الغرب وأمريكا، يكمن في الحديث التفصيلي الممل عن تلك التحديات التي لا تنتهي مع تغيُّر الظروف والأوضاع الداخلية والعالمية، والتأكيد المستمر بأن المهمة الأولى والأخيرة لصانع السياسة تتركز في قدرته على الاعتراف بها أولًا، وإدراك مكامنها ومجالاتها ثانيًا، ثم ابتكار سبل ووسائل مواجهتها بعد ذلك.

يحصل هذا في ظروف الراحة والرخاء وغياب الظروف الاستثنائية داخل تلك الدول وفي محيطها الخارجي، فكيف يكون الأمر في ظل عواصف إقليمية وعالمية غير مسبوقة، ليس المطلوب فقط مواجهتُها، بل تحقيق عمليات التغيير والتطوير في خضمِّ ملابساتها المعقدة.

من هنا، لا يبدو عيبًا ولا إساءةً ولا تشكيكًا الحديثُ العلني الشفاف عن وجود (تحديات) تواجه المملكة وستواجهها على طريق مسيرة التغيير والتطوير، التي يبدو الإصرار واضحًا على المضي فيها رغم كل العوائق. بل إننا نجزم أن الحديث عن (التحديات) يبدو واجبًا ومطلوبًا، بدرجةٍ إستراتيجية حساسة، في مثل هذه الأحوال لأكثر من سبب.

ففي أقل الأحوال، يخلق الغياب الكامل للحديث عنها، في أوساط المجتمع، حالةً من الوعي المنقوص للواقع العملي الذي يُحيط بمحاولات وخطط التغيير والتطوير. ويصير طبيعيًا في أعين الناس أن كل ما هو مطلوبٌ لتحقيق أهداف تلك الخطط يكمن، فقط، في رغبة القائمين عليها وإرادتهم. خاصةً في غياب ثمة ما يمكن أن يكون (تحديات) لم تدخل في تشكيل ذلك الوعي. وما دامت الرغبة المذكورة قد ظهرت وأُعلِنت، فإن العملية المُعقّدة تُختزل إلى مجرد انتظار (التعليمات). والأرجح، من دروس التاريخ في كل الدول، أن يسود النَفَسُ القصير في عملية الانتظار المذكورة، يصاحبهُ ارتفاعٌ هائلٌ في التوقعات، وتَوقعٌ لأن تنطبق على الصيرورة بأسرها قاعدة (كُنْ فيكون)!.. لهذا، يُصبح بديهيا أن تأمين الاستقرار يتطلب أولُ ما يتطلب تجنب المعادلة المذكورة بكل آثارها السلبية.

لمزيدٍ من التوضيح، نضرب مثلًا واحدًا لتلك التحديات، باختصارٍ لا حاجة فيه للتفصيل. فنحن إذا أخذنا بعين الاعتبار، من جهة، ما استقرَّت عليه لمدى عقود شرائحُ واسعة من المجتمع السعودي، فيما يتعلق بقناعات ورؤى ثقافية ودينية واجتماعية مع ما يرتبط بها من مؤسسات وهياكل وتقاليد وأعراف. وأخذنا، من جهةٍ أخرى، ما نشأت عليه شرائح، أيضًا واسعة، من القطاعات الشبابية في المجتمع السعودي نفسه، من آمال وطموحات وتطلعات، مع ما يجب أن ينتج عن تحقيقها من مؤسسات وهياكل وتقاليد وأعراف جديدة. وعَمِلنا على تحليلٍ مُقارن لتوقعات القطاعين المذكورين ومطالبهما وآمالهما في المرحلة المقبلة، وما يمكن أن يوجد في محاولة تحقيقهما من تحديات، فسنجد أنفسنا، لا محالة، أمام استحقاقٍ في صناعة السياسات يتطلب الكثير من العمل والجهد والتفكير والإبداع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store