Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

شيشة الصيف !!

A A
كتبْتُ هذا المقال في أحد مقاهي جدّة، وكانت عقارب الساعة؛ القصيرُ السمين والطويلُ النحيف ومُهروِلُ الثواني السريع، تُشير للحادية عشرة صباحاً صيفياً حارّاً، لكن رحم الله مُخترِع المُكيِّفات الذي خدم الإنسانية، ولم يُفرِّق بين أهلِ دينٍ وأهلِ دينٍ آخر، وبفضل اختراعه انقلبت حرارةُ الجوّ داخل المقهى لبرودة أشبه بالصقيع!.

ومع ذلك فالمقهى من الداخل خاوٍ على عروشه، أمّا من الخارج، أي على رصيف الشارع، فهو مُزدحم، فما السبب يا تُرى؟.

إنّها «الشيشة» التي يُسمح بتدخينها في جدّة خارج مباني المقاهي، فيتحمّل المُدخِّن حرارة الجوّ فوق الأربعين والخمسين في سبيلها، وكأنّه عاشقٌ في قديم الزمان يتربّص خارج مضارب معشوقته في الصحراء، ويتحمّل حرارة الشمس خارج خيمتها ليختلس نظرة واحدة لها، ثمّ ينشد الأشعار مُتغزِّلاً فيها، وهو تحمُّلٌ يُؤتى ثماره إذا تزوّج منها وأنجب العيال مُكَثِّراً بهم الرّبْع والقبيلة!.

أمّا مُدخِّن «الشيشة» فثِمارُ عشقه لها ليست ثِماراً، وحتى إن كانت ثِماراً فهي ثمارٌ متعفّنة مثل «جُراك» الشيشة الذي يحرقه ويستنشقه بفمه لينحبس في رئته المسكينة التي لو تكلّمت لَهَجَتْهُ بأشدّ من الهجاء الذي أنشده جرير والفرزدق!.

أنا جلسْتُ أتأمّل في المُدخِّن حين تدخينه، فوجدته مُتبَلِّماً مُحدِّقاً في المجهول، تُرى هل يستمتع؟ يُقال أنّ الناظرَ للمُستمتِع بشيء يصيبه بعضُ الاستمتاع، وأنا نظرت إليه فلم أستمتع بل تقزّزْت، فهل هو يتقزّز؟ بل هل يُدرك المخاطر الصحية التي تحدق به؟ «بلاش» الصحّة، إنّ تكلفة كلّ جلسة «شيشة» لا تقلّ عن ٥٠ ريالاً، يعني ١٥٠٠ ريال على الأقل شهرياً، ممّا قد يكون راتباً لمواطن في القطاع الخاص، ولو كان المُدِخِّن من ذوي الدخل المحدود لانضمّ لقائمة السفهاء الذين يمكن شرعاً الحجْر عليهم!.

شيشة الصيف كما الشتاء، أحد اختراعات إبليس، وكثيرٌ يتّبعون خطواته!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store