Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

رويبضات.. وخونة.. وعملاء أيضاً!!

A A
· التشويه ، وشيطنة المختلف من خلال توزيع التهم الجاهزة، لم تعد أموراً غريبة ولا مستنكرة في عموم مشاهدنا السياسية والثقافية والاجتماعية العربية، فكلمات مثل (الرويبضة، الجاهل، الخائن، العميل، الكافر ...) لم تعد بحاجة الى دليل، أو تثبت قبل إلصاقها بالآخرين!.. يكفيك خلاف فكري؛ أو عقدي بسيط ليصبح بمقدورك أن ترمي خصومك بما تشاء من تهم، بدءاً من الاتهام بالجهل، ولك هنا أن تستخدم المصطلح الشهير (الرويبضة) مروراً بالتخوين والعمالة للأعداء، وصولاً للتكفير والإخراج من الدين استعداداً للإقصاء أو القتل!.. والأنكى أن كثيراً من وسائل الإعلام أصبحت تشارك - وبعين قوية - في حفلات الشتم والاتهام هذه، دون إدراك في كثير من الأحيان لأبسط مدلولاتها، ولا لآثارها على المستوى الثقافي والتربوي العام .

· يزداد أمر (حروب التشويه) سوءاً مع توسع وسائل التواصل الاجتماعي وانفلاتها، ومع قدرة أي شخص من أعمق نقطة في منزله وأكثرها أماناً وراحة، أن يقول ما يشاء.. وأن يتهم (مهما كان مستواه الثقافي أو حتى العقلي) من يريد من رموز ثقافية أو وطنية أو دينية دون أي خوف من مسئولية أو محاسبة!، بعد أن أصبح «التخوين والتكفير والتشويه» للمختلفين ممارسات مشاعة، بحكم العادة العربية لكل من لا نستطيع مناقشتهم.

· إن قال أحد أن الغالبية العظمى من العامة تستخدم هذا السلوك لمجرد ركوب الموجة، وللتمظهر بالفهم و(التثقيف) و(التفيقه)، دون وعي حقيقي لمعانيها، فسأقول إن هذا قد يكون صحيحاً، لكن البعض الآخر (ممن يسيّرون هذه القطعان) يهدفون من دفع العامة لمعاقرة هذه الأفعال الى خلق أجواء مرتبكة تتيح لهم السيطرة الفكرية على المشهد، من أجل إعادة إنتاج شبكات مصالحهم الكبرى، ومن أجل خلق حالة عدائية تبيح لهم استخدام العنف ضد مخالفيهم (الخونة والكفار) وهنا الخطورة.

· كل أشكال (التشويه) القائمة على (ادعاء احتكار الفضيلة) لا تقل خطراً عن (التكفير) القائم على زعم (احتكار الدين). فكل حالات احتكار الصواب تظهر وبشكل واضح أزمة العقل المختطف والمؤدلج، من خلال خطابه الأحادي الذي لا يسمح بأي تعدد أو اختلاف مهما كان حجمه ومهما كانت فائدته للمجتمع.. إنه - وأعني العقل المعطل والمستلب - يتعامل مع الواقع بدكتاتورية اللون الواحد، التي تصادر فطرة التنوع الإنساني، وتنزع إلى شيطنة المختلف وتشويهه.

· الطريف في هذه الصورة السوداء أن بعض التهم العربية ما زالت متداولة رغم استهلاكها وتناقضها حد الابتذال، مثل (العمالة لإسرائيل)، التهمة التي تتقاذفها بعض العواصم العربية علناً عبر إذاعاتها الرسمية ويغضبون منها.. ثم يمارسونها سراً بكل أريحية!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store