Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

المؤمل أن لا يكون انفصاماً (2-2)

شذرات

A A
استكمالاً لما أشرنا إليه في الأسبوع الماضي عن الازدواجية في شخصية بعض المسئولين والعاملين في العالم العربي وكيف أنهم يجمعون بين التدين بكافة مظاهره وبين الفساد ببعض أو كل أشكاله ،يحدثنا أحد رجال التربية والتعليم عن بعض المرشدين للطلاب في المدارس ممن يدخنون حتى في داخل مكاتبهم ويُوقعون العقوبات على الطلاب لمخالفتهم التعليمات الخاصة بالتدخين. ويقول شاهد عيان أن بعض من ينتمون إلى السلك العسكري يرتكبون مخالفات مرورية أمام الآخرين وبعضهم يقف بسيارته في موقف عليه إشارة «ممنوع الوقوف» أو الأماكن المخصصة للمعاقين بدون مبالاة وإذا ما سئل أفاد أنه في مهمة عاجلة. صور أخرى من الازدواجية في الشخصية يلحظها بعض طلاب الجامعة على بعض أساتذتهم ممن يعاقبون الطلاب على التأخير وهم أنفسهم لا يلتزمون الحضور في الوقت المحدد (لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم)، ويسري هذا الأمر وغيره على المهندس والطبيب والقاضي وكاتب العدل وغيرهم، وكل من له علاقة بخدمة الآخرين. بعض خطباء الجمعة وبعض الوعاظ والدعاة يلاحظ عليهم الازدواجية في شخصياتهم وتظهر بوضوح بين أقوالهم وأفعالهم وبعضهم لا هم له سوى الشهرة وحب المال حباً جمّا والإقبال على الدنيا بنهم ولا يجد التعفف والزهد مكاناً في نفوسهم فأي وعظ وأي إرشاد إذا كان هناك انحراف في السلوك. القرآن خاطب هؤلاء في الآية: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» (البقرة 44) .
إن الفضيلة تتحقق بطريقتين لا ثالث لهما: إما تدين حقيقي مرادف تماماً للأخلاق، وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى ولو لم تستند إلى الدين. كلنا نذكر عندما أراد العقيد القذافي أن يحسن صورته في الخارج فخصص جائزة عالمية بقيمة مليون دولار باسم جائزة القذافي لحقوق الإنسان وفاز في ذلك العام الكاتب الأسباني خوان جويتسولو وكانت المفاجأة شكره على اختياره واعتذاره عن استلام جائزة لحقوق الإنسان من نظام القذافي الذي استولى على الحكم في بلاده بانقلاب عسكري ونَكَّل اعتقالاً وتعذيباً بالآلاف من معارضيه، هذا هو التدين الحقيقي الذي يجب أن يتطابق مع الأخلاق. إن ما نسميه ازدواجية في الشخصية والتي تؤدي إلى الانفصام في الشخصية في نهاية المطاف هو بعض أشكال النفاق في المصطلح الإسلامي والقرآن الكريم يعتبر النفاق أشد من الكفر ولكن (والله يعلم المفسد من المصلح) إن ربك لبالمرصاد، وعلينا أن نكون القدوة الحسنة ونتشبه بورع ونزاهة بأهل الفضل، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store