Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

لمحة عن الماضي!

A A
إذا كانت كلُّ الطرق تؤدِّي إلى روما كما يقول الإيطاليُّون، فإنَّ كلُّ الطرق والدروب والحواري في مدن عالمنا الإسلامي تؤدِّي إلى المسجد الكبير؛ مركز المدينة. وحيث أنَّ التوجيه النبوي يقضي بطلب الرزق عند تزاحم الأقدام، فليس هناك مكان تزدحم فيه الأقدام أكثر من المسجد. تتفرَّع من حول ساحاته وبوَّاباته طرق وحوارٍ وممرَّات، يقصدها الجميع للبيع وللشراء، بتخصُّصات متميِّزة لكلِّ سوق عن السوق المجاور. وتعلو متاجر الأسواق ومخازنها مبانٍ سكنيَّة متجاورة ومتقاربة تضفي على ساكني المباني وشاغلي الأسواق نوعًا من الألفة والتقارب. وقد كان للمدينتين المقدَّستين؛ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة نسق معماري يتَّسع لإقامة ضيوف الرحمن مهما بلغ تعدادهم. فأهلنا في المدينتين المقدَّستين، بالإضافة إلى شرف خدمتهم ضيوف الرحمن، وتوفير المسكن والمأكل لهم، فهي مصدر رزق لغالبيَّتهم. يكتفي أهل البيت بغرفة فوق السطح، ويفتحون أبواب جميع غرف المبنى لضيوف الرحمن.

ذاك كان في وقت لم يتجاوز وجود الفنادق عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يقصدها إلَّا ضيوف الدولة والأثرياء. لكن ما أن بدأت توسُّعات الحرمين الشريفين في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز يرحمه الله، حتَّى أزيل العديد من المباني الملاصقة لجدران الحرمين مقابل تعويض نقدي مغرٍ للملَّاك ساعد على انتشار العمران بعيدًا عن الحرم. وتواصلت التوسُّعات للحرمين الشريفين على أيد ملوك المملكة، لتصبح مليونيَّة غير مسبوقة. ومحاطة بمنطقة مركزيَّة يقصد ضيوف الرحمن والزوَّار فنادقها الراقية وأسواقها التجاريَّة التي تعرض منتجات عالميَّة.

مقابل ذلك، فقد البعض من أهالي المدينتين المقدَّستين مصدر أرزاقهم الذي كان يسدُّ احتياجاتهم من موسم لموسم. وفوَّت عليهم فرص تعارف وتبادل حضاري، كانت تثري معرفتهم وإلمامهم بثقافة شعوب العالم ولهحاتهم. عوضًا عن ذلك فتحت المدارس والجامعات والمعاهد، وكذلك ابتعث مئات الألوف من الشباب ذكورًا وإناثًا إلى العديد من جامعات الدول التي تقدَّمت علينا علمًا ومعرفة بعد أن كانت غالبيَّة المواطنين في مثل هذه الشهور من السنة الهجريَّة تتفرغ تمامًا لخدمة ضيوف الرحمن.

هذا وجه من وجوه الحياة في بلاد الحرمين الشريفين، ربَّما لا يعرفه العديد من الناشئة الذين ضيَّعت شبكات التواصل الاجتماعي الفرص عليهم في التحدُّث وجهًا لوجه مع الأجداد والجدَّات الذين عاصروا تبدُّل سبل الحياة والرزق، ويقدِّرون ما وصلت إليه بلدنا من تقدُّم واعد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store