Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

سقوط الحريات إرضاء لإسرائيل

A A
في الغرب الديموقراطي الحر يقف القانون بقوة ضد أي نشاط سياسي يتخذه أي فرد لانتقاد إسرائيل قولًا أو فعلًا. في شوارع فرنسا يتم القبض على المتظاهرين الذين يرتدون قمصانًا عليها شعارات تدعو لمقاطعة إسرائيل، وفي بريطانيا هناك سلسلة من الإجراءات المشددة التي تهدف إلى ترسيخ عدم قانونية ممارسة أي أنشطة من هذا النوع. أما في أمريكا، فيُمنع الطلاب من تشكيل أي مظاهرات حتى في ساحات الجامعات تعبر عن رفضهم للسياسات الاسرائيلية في فلسطين، حتى أن مراكز الحقوق الدستورية في الجامعات

تـُعرّف هذه الممانعة على أنها: «الاستثناء الفلسطيني لحرية التعبير».

أما ما يجري على الأراضي الأمريكية حاليًا، فهو أمر قد بلغ أقصى درجات القمع والتعسف، إذ يتزعّم السيناتور الديموقراطي بين كاردان Ben Cardin of Maryland، والسناتور الجمهوري روب بورتمانRob Portman of Ohio حركة الترويج والدعم لمشروع يخطط لتجريم أي خطاب أو نشاط سياسي يدعو إلى مقاطعة إسرائيل تجاريًا، كوسيلة للاعتراض على سياساتها في الأراضي المُحتلة. وقد تم انضمام عدد كبير من أعضاء الكونجرس من الحزبين لصف المساندة لهذا المشروع الذي يحركه اللوبي الصهيوني، ايباك، بقوة ويسعى إلى

تمريره وتشريعه كقانون قابل للتطبيق.

ينص المشروع المسمى قانون مكافحة مقاطعة إسرائيل «the Israel Anti-Boycott Act (S. 720)» على أن أي مساندة للمقاطعة الدولية ضد إسرائيل تعتبر غير قانونية، وأن أي شخص، مستهلك عادي أو صاحب عمل تجاري، يثبت عليه مخالفة هذا القانون ستتم محاكمته، وسيدفع غرامة مدنية قيمتها 250,000 دولار، إضافة إلى غرامة جنائية قد تصل

إلى مليون دولار، مع عقوبة السجن لمدة عشرين عامًا.

لا شك أن مشروع كهذا يهدد الحريات المدنية للمواطنين الأمريكان، فحرية التعبير، وحرية اتخاذ موقف سياسي، وحرية الشراء من عدمه التي يعتز بها كل أمريكي، كلها ستذهب أدراج الرياح أمام المكانة المميزة التي تحتلها إسرائيل في الحكومة الأمريكية، فالفرد الأمريكي له كامل الحرية في انتقاد سياسات بلاده وحكومته، والتجريح في رئيسه وفيمن يشاء من المسؤولين السياسيين، لكنه لا يجرؤ على النطق

بكلمة ضد إسرائيل!

ولهذا تحركت مؤسسة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية American civil liberties union وخاطبت الكونجرس مناشدة أعضائه أن يتريثوا في قبول هذا المشروع البشع الذي يصادر حرية التعبير وحرية المعتقدات السياسية للأمريكيين، وما كان للاتحاد أن يُقحم نفسه في وسط هذا الجدل لولا خطورة الأمر والمغالاة الفجّة في الانحياز لصالح إسرائيل على حساب المواطن الأمريكي، فغيرها من المؤسسات الأقوى والأكثر جسارة تتحاشى التدخل في أي موضوع يخص إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك فإن خطاب الاتحاد لم يجد صدى من عضو واحد في الكونجرس

يشاركه شجب هذا القانون.

في أمريكا، صاحبة أكبر مشروع عالمي تحريري للتعبير والمساواة، يتنافس حاكم كل ولاية مع باقي الحكام لتحقيق قوانين متشددة تمنع رجال الأعمال من المشاركة في مقاطعة إسرائيل، حتى وإن طلبت تلك المساندة دول صديقة، أو مؤسسات دولية كالأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، في محاولة لتوحيد الموقف العالمي في مواجهة إسرائيل للضغط عليها في قضايا تمدد المستوطنات،

وعدم الالتزام بالقانون الدولي، والتعامل اللا إنساني مع الفلسطينيين.

كم هو صادم أن ترى أشخاصًا في دول تدعي الحرية والديموقراطية كانوا ينافحون عن الحريات الشخصية ويقفون خلف حركات مقاومة السلطة، وهم يؤيدون بلا خجل قرارًا من أشد القرارات صلفًا واضطهادًا فتسقط مصداقيتهم إلى الحضيض. وكم هو مقزز أن يظهر هؤلاء الأشخاص أنفسهم منتقدين سياسات حكومات الشرق الأوسط، ومتبجّحين في المطالبات الإنسانية للحقوق والحريات، ومُبشـّرين بديموقراطيتهم المثالية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store