Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

هل ما زال السيف أصدق إنباءً من الكتب؟!..

A A
لا أحد يخوض معارك أحد بالنيابة عنه، أو بدلاً منه، ففي العلاقات الدولية في السلم والحرب، يحارب كل طرف معاركه الذاتية، من أجل تحقيق أهدافه الذاتية، ولا شيء سوى هذا، فلا أحد يقدم أبناءه للحرب بدلاً من أبناء أحد، ولا طرف دولي واحد على استعداد للتضحية بمصالحه من أجل مصالح طرف دولي آخر.

وضع الآخرين فوق خارطة أهدافك الذاتية، كقوة دعم لتحقيق تلك الأهداف، يقتضي قدرة هائلة على قراءة خرائط المصالح، ورصد النقاط التي تتقاطع أو تتلاقى عندها مصالحنا ومصالح الآخرين، أو حتى إنتاج بعض تلك المصالح المتبادلة عن سبق إصرار وترصد.

قراءة خرائط المصالح ، تحتاج الى أمرين على قدر كبير من الأهمية ، الأمر الأول هو امتلاك تقنيات متطورة للرصد وجمع المعلومات، أما الأمر الثاني، فهو التحلي بأعلى قدر من الواقعية، والبراجماتية الكافية لاستيعاب حقيقتين: الأولى أنه لا شيء بلا ثمن، والثانية أن أحداً مهما بلغت قوته أو قدرته، لا يمكنه الحصول على كل شيء، فالعالم قد ودع عصر الانتصار الكامل بالضربة القاضية، أو بلمس الأكتاف.

مشكلتنا في العالم العربي، فلسفية بالأساس، يمكن ردها، أحياناً، الى تعلق مرضي مزمن بالتاريخ، وفيه صورة الفارس، الذي نراه دوماً يتحلى بأعلى درجات النبل، ويتمكن دوماً من القضاء المبرم على خصومه، بضربة سيف قاطع، وصفه أبو تمام ذات ليلة بأنه أصدق إنباء من الكتب، وأن في حده الحد بين الجد واللعب.

هل مازال السيف أصدق إنباء من الكتب؟!.. هل ما زال قادراً على أن يرسم بحده الحدود بين الجد واللعب؟!.. واقع السياسة اليوم يقول غير هذا، فالسيف حاسم بتار، لكنه عامل مرجح بين عوامل أخرى كثيرة من مكونات القوة الشاملة لأي أمة.

أنا أنتمي الى جيل، عاش لحظة انهيار إمبراطورية مازالت تحتفظ في ترسانات القوة النووية بالرصيد الكافي لتدمير كوكب الأرض أكثر من ست مرات.. هل رأيتم عبثاً بحسابات القوة مثل هذا العبث؟!.،أي كوكب هذا الذي سيجد فوق سطحه من يكررون تدميره بالكامل عدة مرات.. من هذا الذي سيبقى ليدمر؟!.. وما الذي سيجده سليما فوق الكوكب لتدميره مجدداً مرات ومرات؟!.. هكذا كان بوسع الاتحاد السوفييتي( روسيا) أن يفعل بكوكب الأرض، لكن الاتحاد السوفييتي بكل مخزون الدمار لديه، تعرض لانهيار دون رصاصة واحدة.. هل تعرفون لماذا؟ .. لأنه اكتفى بامتلاك القوة المادية العسكرية فقط، نسي القوة الروحية، أو قوة الأفكار، ونسي قوة الاقتصاد وقدرة المال على تطويع وترويض السلاح.

يقول الأمريكيون والروس والأوربيون أنهم جميعاً يحاربون داعش، لكن قذائفهم نادراً ما تصيب الدواعش، ويقول الإيرانيون إنهم يحاربون داعش، لكن سيوفهم لا تقتل سوى أهل السنة في العراق وسوريا، ويقول الأتراك إنهم يقاتلون داعش، لكن سيوفهم لا تقتل سوى الأكراد وجميعهم من أهل السنة.

لا أعرف من الذي اخترع داعش، لكنني أعرف هوية المستفيدين من وجود هذا التنظيم، الذي يسيطر جنوده في لحظات خاطفة، على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، ثم يختفون فجأة كما ظهروا، كلما تحدث خصومهم عن تحرير مناطق في الموصل والرقة منهم.

لا أحد رأى الدواعش، حين سيطروا على الموصل بين عشية وضحاها، ولا أحد رأى فلولهم أو أسراهم، حين تحررت الموصل منهم.

داعش فكرة، جرى استثمارها وإدارتها، بهدف إنتاج ذرائع، ومقدمات لإعادة هيكلة المنطقة برمتها.

إنقاذ المنطقة من التمزق، يقتضي حرمان من يستهدفونها من ذرائع تمزيقها.

قتل ذرائع التدخل الخارجي لإعادة هيكلة الإقليم، يقتضي قتل داعش الفكرة، قبل استهداف داعش التنظيم .

داعش الفكرة، تختبىء خلف تلال الاستبداد باسم الدين، واستئصالها، يقتضي استئصال كافة صور الاستبداد باسم الدين، فالإسلام الحق بريء من الاستبداد، والدين الذي كرَّس حرية الاختيار، لا يمكن أن يسمح بقتل الأبرياء لأنهم مارسوا حريتهم في الاختيار، فالاستبداد شرك بالله.

الفكر الحر، والإسلام الصحيح ، هما الرصاصة التي تصيب داعش في مقتل.

اقتلوا داعش داخلكم، اذا أردتم إفساد مخططات من يستهدفون صميم وجودكم.

سنخوض بأنفسنا، معركتنا دفاعاً عن صميم وجودنا، بلا سيف، ولا إراقة دماء، فالعدو الذي يستهدفنا يمتطي فكرة نسجها من أساطيرنا، وخلاصنا الحقيقي في حرمانه من مطيته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store