Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

أن يُسلم الكافر..

A A
الأعداد المتزايدة الداخلة في الإسلام تدل دِلالة لا تقبل الشك على أن دين الله غالب، وأنه ماضٍ إلى قلوب البشرية مهما أُلحق به من أذىً من قِبل أعدائه (الظاهرِين والمستترِين) في ظل مواجهاتهم المستمرة والمستعرة معه في السر والعلن، أو من قِبل بعض المنتسبِين له في ظل إخلالهم بمبادئه وقيمه وإعطائهم صورة سيئة عنه من خلال ممارساتهم التي تتنافى مع رسالة الإسلام السامية. الجمعة الماضية وبعد فراغ الإمام من خطبته ومن ثَم الصلاة وقف ليبشر المصلِّين ويُفرحهم بإسلام أحد الوافدِين حينما أراد الله به خيرًا فوفقه لدخول الإسلام العظيم. غير أن فرحة المصلِّين لم تدم طويلاً حينما وصَّى الإمامُ كفلاءَ المسلمِين الجددِ بأن يكونوا مُعِينِين لهم على الاستمساك بالدين الجديد، والعلة وراء هذه التوصية - وهنا مربط الفرس - تكمن في أن هناك حالات مماثلة دخلت الإسلام ثُم -على حد قول الإمام- جاءت إليه تشتكي ما حلَّ بها بعد دخولها الإسلام؛ ذلك أن الكفلاء وبمجرد عِلمهم بإسلام مكفولِيهم بادروا إلى خفض مرتباتهم، وهو ما جعل هؤلاء المسلمِين الجدد يقولون للإمام إن كان الإسلام بهذا الشكل فلا حاجة لنا بدخوله.
نحن مع هذه الحال أمام احتمالَين: الأول.. أن يكون العقد بين الكفيل والمكفول -قبل إسلامه- فيه فقرة تُلزم المكفول بعدم التوقف عن العمل أثناء أوقات الصلوات كونه غير مسلم بالتالي يُزاد في مرتبه مقابل هذه الدقائق التي يتوقف غيره من المسلمِين فيها عن العمل، وإسلام المكفول يعني أنه سيؤدي الصلوات وبالتالي سيقتطع دقائق التوقف للصلوات التي ربما يصل مجموعها لساعة أو تزيد، وهذا يعني إخلاله بالعقد، وهنا كان ينبغي للكفيل أن يتنازل عن هذه الساعة من باب التحفيز للمكفول، وكان ينبغي أن يستغلها لبيان مدى فرحه بإسلامه، وبيان عظمة الإسلام وسماحته، مع بيان ذلك لزملاء المكفول والأخذ بخواطرهم. الاحتمال الآخر.. أن العقد بين الكفيل والمكفول لم تكن فيه فقرة تُلزم المكفول بعدم التوقف خلال أوقات الصلوات، وإنما كان المكفول قبل إسلامه يستمر في العمل تطوعًا منه أو رغبةً في الإنجاز أو طمعًا في مكافأة، فهنا لا يحق للكفيل أن يُنقص من مرتب مكفوله بعد إسلامه شيئًا. بقي احتمال آخر ربما يتبادر إلى أذهان البعض وهو أن المكفول لم يسلم إسلامًا صادقًا وإنما احتيالاً على كفيله ليتخفف من ساعات العمل بحجة الصلاة أو الصيام، أو لتجاوز بعض أنظمة الجوازات، وهذا احتمال وارد، ويبقى الفصل فيه لمتابعة الكفيل لمكفوله ومراقبته والتأكد من قيامه بشعائر الإسلام ويستمر على ذلك أطول فترة ممكنة حتى يتبين له صدق أو احتيال المكفول، ويبقى أمر النوايا في علم الله. وتكبر المصيبة حينما يكون إسلام المكفول خالصًا صادقًا غير أن هوس كفيله بالدنيا طغى على كل مبادئ الرحمة فظن أن اقتطاع مكفوله دقائق لممارسة الشعائر الدينية يخل بالعمل وهو الذي كان بنظره آلةَ إنتاجٍ لا تهدأ ولا تتوقف عن العمل. هذا الكفيل وأمثاله من أصحاب رؤوس الأموال لو سئلوا عن الإسلام لقالوا إنه دين الرحمة، ولو سُئلوا عن تزعزع صورته عند الآخر لذهبوا يجلدون غيرهم الذين برأيهم شوهوا صورة الإسلام وأساؤوا له عند الآخر، ونسَوا أنهم أنفسهم يمارسون الإساءة للإسلام في مؤسساتهم وشركاتهم بمظالمهم المتكررة -وخاصة المالية كتأخير المرتبات أو قطعها- مع مكفولِيهم (مسلمِين وغير مسلمِين) لكن بصورة غير ظاهرة، متستِّرِين بفخامة الأسماء وضخامة الأموال.. والمؤكد أن الكفلاء ليسوا سواء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store