Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

صندوق النفقة الذي طال انتظاره

A A
في حلقة من البرنامج التلفزيوني اللبناني (أحمر بالخط العريض) استضاف مذيعه مالك مكتبي امرأة أدخلت أطفالها الستة ميتمًا وظلت ترفض استعادتهم. كانت المرأة في مقعد الاتهام والأسئلة تنهال عليها كالرماح: كيف تتركين أطفالك في الميتم؟ ماذا تعني لك كلمة أمومة؟ هل هناك أم تتخلى عن أبنائها؟ ألا تخشين أن يكبروا فيلوموك ويكرهوك؟ كيف تحرمينهم من حنانك ومحبتك؟

مع كل سؤال كانت المرأة تكرر نفس الإجابة: أنها اضطرت لفعل ما فعلته لعدم قدرتها على تحمل مسؤولية إعاشة أطفالها. كانت حياتها مع زوجها جحيمًا لا يطاق، وكان يصر على كثرة الإنجاب حتى امتلأ البيت مطالب وضجيجًا، فخرج منه فردًا ولم يعد إليه. انسلّ الرجل من مسؤولياته جميعًا وترك المرأة وحدها بلا دخل ولا معيل ولا معين، قالت المرأة: «ماذا كان عساي أن أفعل؟ لم يكن بإمكاني فتح بيت والصرف على أبنائي مأكلا ومشربًا وكسوة ومدارس وغيره من الاحتياجات، فصحبتهم إلى الميتم حيث تتوفر لهم كل متطلبات العيش الكريم».

رجل يفتح باب بيته ذات يوم ويمضي دون أن ينظر خلفه، ربما ليبدأ حياة جديدة بزوجة وأبناء آخرين، وربما أعاد الكرة، ومارس الاختفاء والهروب من المسؤولية، فما الذي يردعه ومن الذي يمنعه؟ لا أحد يدرك حجم هذه المآسي مثل المحاكم الشرعية حيث تعرض آلاف القضايا لنساء مطلقات ومهجورات حملن على عواتقهن مهمة تربية الأبناء، وتحمّلن تكاليف الصرف عليهم. ما الذي يمكن أن تفعله امرأة في مثل هذه الظروف غير أن تمد يديها لأهل الخير لتعيش مع أبنائها على صدقات المحسنين؟ إضافة إلى ذلك فإن اعتماد المطلقات والمهجورات على وزارة العدل والجهات الخيرية يشكل ضغطًا كبيرًا على مواردهم وقدرتهم على تقديم الخدمات المنوطة بها.

وما كان أحوجنا إلى مشروع حكومي يحفظ كرامة النساء، ويضمن العيش الكريم لهن ولأطفالهن، ويلاحق الآباء المماطلين والمحجمين عن دفع ما عليهم من التزامات تجاه عائلاتهم، حتى وإن هجروهم وحرموهم عطفهم وحنانهم. تعج المحاكم بقضايا أسرية مختلفة، لكن تبقى قضية النفقة في المقدمة، وحتى بعد صدور الأحكام في صالح المرأة وأطفالها فإن غياب آليات تنفيذ تلك الأحكام ساعدت على استمرار تهرب الرجل من دفع مصاريفهم المعيشية المكلفة.

وأخيرًا، تمت موافقة مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي على تنظيم صندوق نفقة مستدام للمطلقات والأبناء يضمن صرف النفقة للمستفيدين دون تأخير، وصرف النفقة المؤقتة لهم خلال فترة التقاضي قبل صدور الحكم بصرفها، إلى جانب صرف النفقة لمن صدر له حكم قضائي باستحقاقها ولم ينفذ. ومن محاسن الصندوق المنتظر تقديم المعونة مباشرة للمرأة المستحقة بحيث لا تضطر إلى التعامل مع الزوج نهائيًا، بل إن الصندوق يدفع لها المبلغ ثم يسترجعه من الزوج من خلال قضاء التنفيذ ومحاصرته بطرق مختلفة، مثل مخاطبة مؤسسة النقد، ومصلحة معاشات التقاعد، والتأمينات الاجتماعية وشركة المعلومات الائتمانية (سمة)، وغيرها، وذلك من أجل اقتطاع مقدار النفقة من الدخل الشهري للزوج.

ورغم الاستبشار بهذه الموافقة من المجلس، إلا أننا يجب ألا ننساق في الفرح كثيرًا، فأمامنا المزيد من الانتظار، والموافقة إنما جاءت على مشروع مقترح ينقصه التشريع ووضع القوانين والأنظمة. لذلك نرجو من وزارة العدل التعجيل في إجراءات التقنين والتنظيم ليخرج لنا قرار التطبيق في أسرع وقت ممكن. إن النساء المطلقات والمهجورات مع أطفالهن قد سئمن التردد على أروقة المحاكم سعيًا وراء حق مشروع، ومللن من هوان السؤال ومد الكف. هذا الصندوق المُنتظر سيضمن لهن عيشًا كريمًا وسيعطيهن حقوقهن كاملة غير منقوصة وهن معزّزات مُكرّمات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store