Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

عبدالله عمر نصيف... وضروب من العلم والفكر والثقافة

رؤية فكرية

A A
* هذه سطور أدوِّنها عن إنسان لم أحظ بشرف الجلوس على مقاعد الدرس الجامعي مريداً بين يديه، فلقد كنت ممن أدركتْهم - مبكراً- صعلكة الكتابة وحرفة الأدب، ولا أزعم أنني من الدائرة المحيطة به والقريبة من شخصيته المتعددة المواهب، ولست هنا بصدد تدوين سيرة رجل قدَّم الكثير من خلال المناصب الرسمية التي تبوَّأها عن جدارة ومقدرة وثقة، ولكن أعترف أنني شعرت بشيء من الرهبة عندما عقدتُ العزم على ذكر شيء من ملامح شخصيته الإنسانية وبساطته وسخائه وسماحته وبذله وتقديره للآخرين حتى وإن اختلف معهم فكرياً، وليس سراً أنني أردت في هذه السطور المتواضعة الحديث عن إنسانية معالي الدكتور عبدالله عمر نصيف والذي نشأ في بيت علم وفضل وأدب، أعني دار جدِّه الأفندي محمد نصيف الذي تردد صدى اهتمامه بالعلم والكتاب مطبوعاً ومحفوظاً في كثير من أرجاء الأرض.

* وإذا كانت مدينة جدة شهدت شخصيات فكرية وثقافية متنوعة مثل الرائد محمد حسن عواد، صاحب «خواطر مصرّحة» والذي استشرف بكتاباته آفاق المستقبل، ورديفه الفيلسوف والأديب حمزة شحاتة الذي أبدع في فَنَّي الشعر والنثر، كما أن شخصية الأفندي نصيف تجاوزت إضافاتها العلمية دائرة المحلية إلى دائرة أكثر شمولاً واتساعاً، وكان جيل العواد وشحاتة المعتز بأدبه وإبداعاته لا يترددون في أخذ أماكنهم في هذه الدائرة العلمية التي يمتزج فيها العلم بالأدب والثقافة بالفكر، كما كان يفعل القادمون في الديار النائية.

• الإنسان عبدالله نصيف الذي تنقَّل في عمله بين أماكن متعددة بدءاً بجامعة الملك عبدالعزيز، ومروراً برابطة العالم الإسلامي وانتهاء وخاتمة مباركة بمجلس الشورى، حيث يجلس الجميع تحت قبة المجلس وهم يدركون أن الأمم التي سبقتنا حضارياً وعلمياً وفكرياً إنما حظيت بمقعد لها بين أمم الأرض بالحوار والكلمة البناءة وحسن الإصغاء إلى الآخر واحترام رأيه أياً كان مصدره.

* ولعلي أتوقف عند هذا الملمح أي الإنصات والإصغاء والاعتراف بالآخر، فإن شخصية أستاذنا الدكتور نصيف تعكس عن اعتقاد وإيمان احتراماً وتقديراً لمن يخالفونه الرأي، وقد شاهدته لأول مرة في منزل الوالد الشيخ محمد سفر - والد معالي الدكتور محمود سفر- في حي سوق الليل بمكة المكرمة وهو يناقش بعضاً من الشخصيات التي ضمها ذلك المنزل العامر فكان حريصاً على اختيار كلماته وعباراته بدقة بحيث يجبرك على الإنصات والإصغاء إليه عن إرادة وطواعية وليس قسراً أو لداعي المجاملة والمحاباة والتي كثيراً ما تحجب الرؤية الصادقة إزاء الموضوع المطروح للنقاش.

• وهناك ملمح حضاري آخر يتمثل في شخصية أستاذنا النصيف وهو ذلك الاطمئنان والسكينة التي انطبعت بها شخصيته، فهو دائم الابتسامة التي تدعوك للاقتراب منه والإفادة من علمه والذي جمع فيه بين ما هو حضاري ثقافي وفكري وأدبي وخصوصاً استناده على الخلفية العلمية التي اكتسبها منذ نشأته الأولى بالاقتراب من شخصيات علمية متميزة مثل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله- ولاحقاً فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه أمد الله في عمره وسواهما من رجال العلم والمعرفة.

* وتشاء الأقدار أن ألتحق في دراستي العليا بجامعة لانكستر، وهناك قابلت لأول مرة الدكتور محمد عمر نصيف شقيق الدكتور عبدالله والذي كانت داره مفتوحة لمعظم الطلاب العرب والمسلمين، وانعقدت أخوّة أعتز بها مع «أبي جمانة»، وحملنا القطار يوما إلى مدينة لندن وهناك قابلنا معالي الدكتور عبدالله وكان عندئذ أمينا لرابطة العالم الإسلامي فوجدته كما عهدته يحاول أن يمد الجسور بين الجماعات الإسلامية المختلفة، وكانت حقبة الثمانينيات الميلادية قد شهدت خلافات بين أطراف وتيارات إسلامية مختلفة، وللأسف فلقد حمل بعض العرب والمسلمين خلافاتهم معهم من ديارهم إلى ديار الغرب، وقام أستاذنا النصيف بعد ذلك بزيارتنا في لانكستر وكنا في مسجد الجامعة وحان وقت صلاة الجمعة ولم يحضر الخطيب المعتمد فطلب الحضور من معاليه إلقاء الخطبة وأداء الصلاة فوقف وكأنه يتحدث بلغة الحاضر المرير وهو البعد عن التعصب والأخذ بالوسطية والاعتدال والتسامح، مما يمكن اعتباره الجوهر الحقيقي لتعليم الدين الخاتم.

وقام عزيزنا السيد الدكتور عصام فيلالي بترتيب لقاء بين الطلبة السعوديين في مدينة مانشيستر وأستاذنا النصيف وكان أخونا السيد الفيلالي رئيساً آنذاك لنادي الطلاب السعوديين في بريطانيا وقام أحدهم مخاطباً الدكتور النصيف بالقول بأن هناك انبهاراً - من البعض - بالحضارة الغربية فكانت إجابته موجزة وبليغة: «نحتاج لوقت طويل قبل أن نخرج من دائرة هذا الانبهار»، وفي كلماته تشخيص للأدواء التي تعاني الأمة منها.

• كثير ومتعدد مما يمكن أن يقال شهادة للتاريخ عن الإنسان والمفكر والمعلم النصيف ولكنني أختتم هذه السطور بالقول: عزيزي أبا عمر إنه في عنقي لك دَيْن، فلقد نصرتني - بعد الله- عندما حاول البعض أن يخذلني، سائلاً لك من الله طول العمر المقترن بالصحة والعافية والسرور.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store