Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

عندما تشتعل الفتنة في الشارع الأمريكي

A A
«أنتم تدّعون الوطنية، لكنكم أبعد ما تكونون عنها. إن تنوّعنا وهذه التشكيلة الفسيفسائية لبلدنا هي سرّ تميّزنا في العالم، ولن نسمح لأحد بتحطميها. خذوا كراهيتكم وتعصبكم بعيداً عنا. وقد قلت للرئيس لا بد من تحرك للمّ شمل الناس في هذه البلاد، فخطاب الكراهية الذي تزايد في الأشهر الماضية يشتت هذا الوطن العظيم، لا بد لنا من العمل على ترابط المواطنين».

كانت هذه هي الكلمات الحماسية والغاضبة التي وجهها حاكم ولاية فيرجينيا الأمريكية، تيري مكولييف، ضد أعداد من المعارضين من اليمين المتطرف وتنظيم القوميين البيض أثاروا الشغب في مسيرات عنيفة واشتبكوا بشراسة مع متظاهرين مناوئين لهم من السود واليهود واللاجئين الجدد ومؤيدين لهم في مدينة تشارلوتسفيل. يشكل المعارضون من مناصري تفوق العرق الأبيض والانحياز النازي وجماعات الكلو كلس كلان وغيرهم ظهورًا واضحًا في أمريكا، ويسجلون في كل تجمع لهم مواقفهم العنصرية وكراهيتهم المتأججة لمن لا ينتمي إليهم لوناً وعرقاً وديناً وثقافة. وبالطبع فإن حاكم فيرجينا لم يكن الوحيد الذي رفع صوته مندداً وشاجباً، فهذا الانقسام الخطير ليس في الشرق الأوسط، وإنما في أمريكا العظمى، لذلك فإن الأصوات توالت من كل جانب، وأصدر كل سيناتور، وعلى رأسهم جون ماكين، بيانات تتشابه في القول: إن هذه التحركات العنصرية والتعصبية تتعارض مع جوهر الوطنية الأمريكية التي تتطلب أن تتشابك الأيدي لترفضها وتحافظ على التماسك الوطني. كما ندد الرئيس السابق أوباما والسيدة هيلاري كلينتون بأعمال العنف وإشاعة الفوضى التي لا تتماشى مع القيم الوطنية الأمريكية. ومن البيت الأبيض وعد الرئيس ترامب بمحاسبة المتورطين في تلك الأحداث المفزعة ونادى إلى نبذ الكراهية والتعصب الأعمى: «فجميعنا أمريكيون أولاً، بغض النظر عن اللون والجنس والانتماء السياسي».

ثم تعالت الأصوات التي شجبت تلك التظاهرة العنصرية العنيفة من أوروبا ودعت إلى احترام الآخر وعدم زعزعة الأمن الوطني، فوصفتها السيدة ميركيل بالشر المرعب، كما نددت السيدة تيريزا ماي بالعنصرية والكراهية والعنف، وبذلك غرد بابا الفاتيكان على تويتر.

ما جري في تشارلوتسفيل لا يختلف في أساسه عما أشعل فتيل الربيع العربي، نزاعات طائفية وقومية ودينية، خلافات في الرؤى والمواقف الفكرية، شكلت الأرضية الرخوة التي قامت عليها ثورات شعبية تشبعت بادعاءات الحقوق السياسية. هذه الاشتباكات العنيفة قائمة على كراهية دفينة بين أفراد الشعب الواحد عجز الزمان عن مسحها من قلوبهم الصدئة، فظلت تعتمل في الداخل وتنتظر شرارة الانطلاق. الفرق كل الفرق يكمن في الموقف الغربي الذي يصب الغاز فوق نيران الاختلافات العربية، ويصب الماء فوق نيران الاختلافات الغربية، يشعل بيد ويطفئ بيدين.

عندما تشتعل الفتنة في الشارع الأمريكي، لا بد من ربء الصدع بسرعة قبل أن تتصاعد وتيرة الصراع، هناك تعلو قيمة الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي، وهنا تعلو قيمة حرية التعبير وحرية تقرير المصير. هناك لا يُشقّ الصف وتبقى الولايات المتحدة متحدة وصلبة في تماسكها، وهنا تقسيم ودويلات وإعادة رسم حدود. هناك محاسبة للمتورطين وهنا حقوق للإنسان، هناك «جميعنا أمريكيون أولاً»، وهنا عرب وأكراد، شيعة وسنة، مسلمون ومسيحيون، رجال ونساء، قبائل وعشائر. وفي الوقت الذي تشجع فيه أمريكا الأكراد على بدء الاستفتاء على إقامة دولة كردية مستقلة، فهي ترفض طلبات الاستفتاء التي تقدمها بعض الولايات مثل تكساس وكاليفورنيا للانفصال عن الفيدرالية الأمريكية منذ سنوات.

منذ اندلعت شرارة الربيع سيئ السمعة، لم نسمع خطاباً غربياً ينادي بالتهدئة والتعقل ونبذ العنف والكراهية بيننا، كل ما نراه هو انحيازات مستمرة لأطراف على حساب أطراف، وتأليب معارضات ضد حكومات، ودفع دؤوب نحو الفوضى الخلاقة والتقسيم والتشتت.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store