Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

لا، بحجم الكون، للإرهاب. ولكن ما العمل؟ (1 - 2)

A A
«لاشيء، لا رسوم كرتونية، ولا كتاب، ولا أغنية، تبرر ذلك الشكل من القتل الجماعي في باريس. هؤلاء مجرمون، برابرة، باعوا أرواحهم للجحيم». هذا ما قاله إمام مسجد درانسي، في إحدى ضواحي باريس، بعد الهجوم الإرهابي على صحيفة (شارلي إيبدو) منذ عامين ونيف أثناء زيارته مع وفدٍ من أئمة فرنسا لمكاتب الصحيفة.

وهذا ما نقوله بدون أي تردد. دون أن يمنعنا هذا أبداً أن نقول: لكن.

نقولها تحديداً، انطلاقاً من الإيمان بحرية الفكر والتعبير، والشعور بخطورة الموقف وضرورة إيجاد حلٍ جذري لهذه الظاهرة السرطانية، والرغبة في البحث عن المشترك الأخلاقي والثقافي العالمي. ثم الرفض، الواجب على كل مثقف، لأي شكلٍ من أشكال الإرهاب الفكري، ولعقلية (الفرز) و(الحشد) الأمني التي يبدو أنها تتلبس العالم بأسره اليوم.

ماحصل في برشلونة، وقَبلَها في باريس ونيس وعشرات الدول الأوربية والعربية والإسلامية، هو تعبيرٌ آخر عن تبلور أزمةٍ إنسانيةٍ حضاريةٍ شاملة، وهو، تحديداً، تعبيرٌ عن وصول الأزمة في كلٍ من الفضاءين الثقافيين، العربي/الإسلامي من جهة، والغربي من جهةٍ أخرى، إلى قمّتها.. ولهذا فإنه لا يتعلق بطرفٍ دون آخر، ولم يحدث بسبب حضارةٍ دون أخرى، ولن تقتصر نتائجه ومستتبعاته على مكانٍ دون آخر في هذا العالم.

نحن، كبشرية، في مأزقٍ كبير، ثقافي وسياسي بالدرجة الأولى، ولامخرج من هذا المأزق على المدى المنظور، إذا بقي العالم يتعامل مع الظاهرة بنفس الطريقة.

لا يعني هذا الوقوع في أي نوعٍ من أنواع العَدَمية السلبية، فنحن لانتحدث عن (لعنةٍ نهائية) لَحقت بالإنسان ولم يعد ممكناً الخلاصُ منها. لكن رؤية الواقع البشري على هذا المستوى تُساعد على إدراك جذور المشكلة، وعلى رؤية مدخل الحل بأضلاعه الثلاثة: الإصلاح الديني، الاستعداد الأمني، وتأكيد قيم العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.

لاتختص هذه الأضلاع الثلاثة، أيضاً، ببلدٍ واحدٍ، ولا منطقةٍ محددة في العالم، ولا دينٍ من أديانه ومذاهبه. وإنما يجب العمل عليها في كل زاويةٍ من زوايا هذا (المنزل) الإنساني الذي يُسمى الكرة الأرضية.

بغير ذلك، لابديل سوى اليقين بحتمية التعايش مع الإرهاب إلى يوم الدين.!

قبل حَدَث برشلونة بخمسة أيام، قام جيمس أليكس فيلدز، أحد أعضاء منظمةٍ يمينيةٍ عنصريةٍ متطرفة بقيادة سيارته مقتحماً مظاهرةً يقوم بها مواطنون أمريكان ضد العنصرية في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا، على بعد ساعتين بالسيارة من البيت الأبيض الأمريكي. قاد الرجل سيارته من مدينة كنتاكي لأكثر من ست ساعات، وذهب إلى الموقع ليدهس كل من يستطيع دهسه من أبرياء كل ذنبهم أنهم ينظرون إلى العالم بشكلٍ يختلف عن نظرته إليه. لم يقتل الرجل، لحُسن الحظ، إلا امرأةً واحدة (بيضاء) من المتظاهرين، لكنه أشعل، مع مجموعته فتيل توترٍ لايزال متصاعداً حتى الآن في كل أنحاء أمريكا. وما يزيد من مخاوف المراقبين أن في الولايات المتحدة أكثر من 1600، نعم، ألف وستمائة، منظمة متطرفة فيها، كما أكدت مصادر متطابقة في وسائل الإعلام الأمريكية.

وتبدو جدية الموضوع أكثر حين نعلم أن خبراء مستقلين في الأمم المتحدة أصدروا في جنيف الأربعاء الفائت بياناً يدعون فيه حكومة الولايات المتحدة إلى التصدي للعنف العنصري والخوف من الأجانب ومحاكمة مرتكبي جرائم الكراهية.

بعدها بيومين، نشر ديفيد بروك، الكاتب المحافظ الذي أصدر عدة كتب كانت من الأكثر مبيعاً في أمريكا، مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية المعروفة بعنوان «كيف نحارب التعصب»، كان مما قاله فيه: «هناك رغبةٌ دوماً في الهجوم الصارخ [على الحركات المتطرفة].. لكن دروس التاريخ تُظهر لنا أن الغضب ليس الدواء الفعال ضد التعصب وخطاب الكراهية، فالنقد اللاذع المتبادل يغذي بعضه بعضاً... [الحل يكمن] في فهم تعقيد العالم وفي إدراك حقيقة عدم وجود إجابات سهلة يمكن لها أن تفسر الأسئلة السياسية والمشاكل الوجودية الكبرى. التقدم لا يحصل بمجرد سحق سربٍ من الأعداء الحاقدين، وإنما بإيجاد أطر التوازن بين الحرية والأمن والتعددية والتضامن».

لقد كان الإرهاب، ولايزال، وسيبقى منظومةً شاذة، لكن هذه المنظومة الشاذة تتغذى دائماً من شذوذ الواقع البشري عن القوانين الاجتماعية التي تحكم وجوده، فهذا هو المصدر الوحيد لغذائها واستمرارها. وكلما كان الواقع البشري المعين أقربَ إلى الانسجام مع القوانين الأصيلة التي تحكم وجوده، كلما أصبح ممكناً انكشافُ الإرهاب وعَزلُهُ ومحاصرته وتبيان شذوذه بشكلٍ يجعله غريباً ومُستهجناً ومستنكراً ومرفوضاً في المجتمعات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store