Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

لا، بحجم الكون، للإرهاب، ولكن ما العمل ؟.. (2 - 2)

A A
قبل أحداث برشلونة منذ أيام، وفي صبيحة 11 آذار/مارس من عام 2014، شهدت مدريد أكبر عملية إرهاب بتاريخها، وربما في تاريخ أوربا المعاصر، فتم تفجير شبكة قطارات نقل الركاب، بتخطيطٍ في غاية الدناءة والوحشية، أدى لوفاة 191 إنساناً بريئاً، وجرح 1755 آخرين.

بعدها بثلاثة أيام، كان موعد الانتخابات العامة في إسبانيا. وكانت كل استطلاعات الرأي، قبل التفجيرات، تشير لحتمية فوز الحزب الشعبي الحاكم على الحزب الاشتراكي المعارض، حاولت الحكومة الإشارة بأصابع الاتهام إلى منظمة (إيتا) الإسبانية المتطرفة بقوة، لكن التحقيقات أظهرت سريعاً أن المتطرفين كانوا من أتباع (القاعدة).

هكذا، انقلبت نتائج الانتخابات رأساً على عقب. وهكذا، نجح الإرهابيون في (فرض) أجندتهم التي صرحوا عنها، بتوقيتهم الحدَث لهزيمة الحكومة الإسبانية.

قبلها، كانت الإجراءات الأمنية تمثل السياسة المفضلة، وأحياناً الوحيدة، للتعامل مع الظاهرة. وبعدَها، تصاعدت الإجراءات، نوعياً وكمياً، بشكلٍ هائل يعرف تفاصيله الخبراء.

رغم هذا، وبعد تفجيرات مدريد، كانت السنوات الخمس الماضية (سنوات الإرهاب)، في أوروبا، وفي أمريكا والبلاد العربية وآسيا، وكل مكانٍ آخر من العالم.

لامكان في مثل هذا الموضوع للسذاجة، ولا للتلاعب بالألفاظ والمعاني، تبريراً لأسوأ ممارسةٍ تنفي عن الإنسان إنسانيتهُ ابتداءً، وتهدم الشعوب والدول دون تمييز، وتتنافى أصلاً، مع كل الشرائع والقوانين البشرية.

من هنا نقول، لامفر من استصحاب الجانب الأمني في مثل هذا العالم المعقد، ولامهرب من كونه عنصراً رئيساً وفعالاً، في مواجهة هذه الظاهرة الوحشية.

لكن هذا لايتناقض إطلاقاً مع حتمية تفكيرٍ في الظاهرة، وتخطيطٍ إستراتيجي للتعامل معها. وهذا بوجود رؤية شموليةٍ للواقع البشري، المُعقّد أيضاً، يُساعد على إدراك جذور المشكلة، وعلى رؤية استحالة الحل بعيداً عن محاوره الثلاثة: الإصلاح الديني، الاستعداد الأمني، وتأكيد قيم العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.

مع التأكيد، مراراً وتكراراً، بأن العمل على تلك المحاور لايختص ببلدٍ واحدٍ، ولا منطقةٍ محددة في العالم، ولا دينٍ من أديانه ومذاهبه. مع التأكيد، مراراً وتكراراً، على أنه، بغير تلك الإستراتيجية، لايبدو ثمة بديلٌ لدى البشرية سوى حتمية التعايش مع الإرهاب ليوم الدين.

ففي مجال الإصلاح الديني، يبدو الهروب مستحيلاً من الاعتراف بخطورة فكر الغلوّ والتطرف، وهو فكرٌ يمتلك جذوراً، عديدة، في الكثير من أدبيات التراث والمدونة الفقهية التقليدية السائدة. ولامفر من تفكيك بنيته الثقافية والفقهية، النظرية والنفسية، بشكلٍ مدروسٍ وشامل. لكن ما يجب الانتباه، إليه بدقةٍ هنا، يكمن في ضرورة تجنب خلط الأوراق، والأجندات الشخصية، والانتهازية السياسية. وهي ممارساتٌ تُستخدم أحياناً لتحقيق مآرب وطموحات سياسية وشخصية، وأيديولوجية بحتة، باستغلال الأحداث الفاجعة لممارسة عمليات الإقصاء والتحجيم للآخر. أو حتى لمحاولة إلغاء الإسلام، في صورته الحضارية الأصيلة المنفتحة، كمكونٍ أساسي من مكونات هوية المنطقة وإنسانها، رضيَ من رضي وسخطَ من سخط.

وأخيراً، فيما يتعلق بالمحور الثالث لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه بشكلٍ جذري. يبدو مؤكداً، من كل التجارب السابقة والحالية، والمنسجمة مع قوانين الاجتماع البشري، أن الترسيخ العملي الحقيقي للرخاء والأمن والاستقرار، للدول قبل المجتمعات، لايَنتج فقط عن غياب العمليات الإرهابية. وإنما يتطلب العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والجانب المادي من حياة الإنسان، فضلاً عن تأمين منظومة متكاملة من العدل والمساواة يجب تعميمها في كل مكانٍ من العالم دون تمييز.

ماذا يعني هذا؟ بوضوحٍ ودون مواربة، على حكومات العالم، قبل شعوبه وقواه الحية، استعادةُ المبادرة من الإرهابيين. من خلال ممارسات سياسية وثقافية واقتصادية وأمنية يُمكن لها، إذا استُخدمت سوياً، تفكيك البنية التحتية للإرهاب المحلي والإقليمي والعالمي، وخلق ظروفٍ لاتسمح بوجود الخلط الفظيع الحاصل بين الأهداف غير المشروعة للإرهابيين، وبين توظيف هؤلاء لكل أنواع السخط والغضب والإحباط والسلبية الناتجة عن افتقاد الأهداف المشروعة لشرائح واسعة من الشعوب والمجتمعات. لأن وجود هذا الخلط، بحدّ ذاته، يُعتبر نجاحاً كبيراً للإرهابيين، هو الذي يؤدي في واقع الأمر إلى تحقيقهم لنجاحات أخرى.

صحيحٌ أن المعادلة المذكورة يجب أن تبقى استراتيجيةً جديةً فعّالة ضد الإرهاب في العالم بأسره، إلا أن على صناع القرار والرأي الانتباه إلى النصيب الكبير للدول العربية، تحديداً، من سلبيات تلك الظاهرة البشعة. الأمر الذي يفرض مسؤوليةً أخطر في هذا المجال.

فرغم كل (الضجيج) عن (اكتساح) الإرهاب لأوروبا، تُظهر «قاعدة بيانات الإرهاب الدولي» الصادرة عن جامعة (ميريلاند) الأمريكية أن نسبة الهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا خلال السنوات الأربعة عشر الأخيرة تمثل نسبة 0.3٪، ثلاثة أعشار الواحد بالمائة، مقارنةً بمثيلاتها في باقي أنحاء العالم.. وقبل نشر هذا المقال بثلاثة أيامٍ فقط، ذكرت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، في تقرير شاملٍ لها، أن 0.7٪، أي أقل من واحد بالمائة، سقطوا ضحايا الإرهاب عام 2016 في أوروبا الغربية، بتعدادٍ يبلغ 269 شخصاً، مقارنةً بـ 19121 ضحية للإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store