أتواجد هذه الأيام في العاصمة الألمانية برلين والتي أزورها للمرة الأولى واصلاً من باريس بالقطار مروراً بمدينة بادن الألمانية الساحرة والتي أعتبرها إحدى أجمل الوجهات السياحية لعشاق الطبيعة والهدوء ويوجد بها عدد من أشهر المنتجعات الصحية في العالم، ثم بعدها مدينة فرانكفورت والتي تعد العاصمة الاقتصادية لألمانيا بسبب احتضانها للعديد من مقار الشركات والبنوك الكبرى والبنك المركزي الأوربي، إضافة لكونها مركزاً للكثير من المعارض الدولية في شتى المجالات.
رحلة القطار بين فرانكفورت وبرلين استمرت قرابة الأربع ساعات ونصف استرجعت خلالها ذكرى سابقة لزيارتي لقصر فرساي التاريخي في فرنسا والذي بناه لويس الرابع عشر عام 1682م ووقعت به معاهدة فرساي الشهيرة عام 1919م والتي تمت بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وبين الطرف المهزوم وهو ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا والدولة العثمانية. هذه المعاهدة كتبت نهاية الإمبراطورية العثمانية وأجبرت ألمانيا على دفع تعويضات هائلة وفرضت شروطاً قاسية عليها ومنعتها من بناء جيش قوي، مما تسبب في تأجيج الشعور القومي والضغينة التي كانت أحد الأسباب لاندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945) والتي راح ضحيتها أكثر من 50 مليون قتيل، وانتهت باستسلام ألمانيا وتعرضها لدمار لا يوصف وسوِّيت مدنها الكبرى ومنها برلين بالأرض.
قرأت كثيراً عن الحرب العالمية الثانية وشاهدت عدداً من الأفلام الوثائقية المخيفة عنها ووقفت خلال زيارتي لبرلين على بقايا بعض المواقع المدمرة والتي تم تحويلها إلى متاحف لعرض مآسي الحرب وأهوالها، كما وقفت على بقايا جدار برلين الفاصل بين شطري ألمانيا الشرقية والغربية، الذي تم هدمه عام 1989م، وتلاه إعادة توحيد ألمانيا عام 1990م.
التحدي الأكبر الذي واجهته ألمانيا بعد الحرب تمثل في نقص الرجال، حيث كان عدد السكان 27 مليوناً، منهم 20 مليون امرأة، ويتحدث الألمان بفخر شديد عن الدور الذي قامت به المرأة الألمانية في البناء وفي وصول ألمانيا إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم وازدهار سبق مشروع مارشال الاقتصادي لإعادة إعمار أوروبا.
في برلين شاهدت نموذجاً لويلات الحرب ومآسيها، وشاهدت نموذجاً لأعلى درجات النهوض والارتقاء والرغبة الصادقة في بناء الأوطان وإعمارها، ونموذجاً لوحدة الأشقاء وقيمة الحب والتعاون والسلام.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
