Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن فتيحي

يُحكى أنَّ

شمس وظل

A A
كان شرطياً .. يتمتع بالصحة والقوة .. والغلظة والعنف .. منصفاً في تحرياته .. موفقاً للأخذ بيد الضعيف من القوي .. والمظلوم من الظالم .. له حضور في بلدته .. وهيبة عند قدومه ..

مع هذا كان سكيراً يتعاطى الخمر .. والكل يعرف عنه..

كان كعادته في السوق .. سمع صراخاً لمشادة بين رجلين .. سمع أحدهما يقول للآخر : « سأقول لبناتي يدعين عليك .. فقد حرمتهن فرحتهن .. ما نزلت إلى هذا السوق إلا لأدخل الفرحة على قلوبهن .. فإن من أدخل الفرحة على الإناث وخصهن دون الذكور نظر الله إليه « ..

أنهى الخلاف .. ووضع في يد أبي الإناث مبلغاً من المال وقال له : « أدخل الفرحة على بناتك .. وأخبرهن أن يدعين لي بعد أن ترى فرحتهن .. وإني لسائلك عن هذا أمام الله .. وذكر له اسمه وكنيته « ..

فكّر الرجل ملياً .. وقرر أن يتزوج .. لكن كيف له ذلك وهو المعروف عنه الخبث بتعاطيه للخمر ؟ ..

ابتاع جارية .. احتلت مكانة في نفسه .. ورزقه الله بابنة كلما رآها تذكر مقولة الرجل : « من اختص الإناث دون الذكور .. نظر الله إليه « ..

آنسته الصغيرة .. وأنسته الخمر .. وأصبح مع الأيام أكثر التصاقاً بابنته وحباً لها وتعلقاً ..

عندما بلغت سنتها الثالثة .. ماتت ..

عاد إلى الخمر .. ووجد الشيطان مكانه في نفسه .. وأمعن في إذلاله .. وصيّره لا يكاد يفيق حتى يعود لغفوته..

في ليلة اشتد عليه حزنه .. قرر أن يشرب حتى الثمالة .. ودون هوادة .. ففقد وعيه ..

رأى في منامه أن القيامة قد قامت .. والناس في المحشر .. أهوالاً وزحاماً .. الأرض غير الأرض .. والسماء غير السماء ..

وجد نفسه مطارداً من تنين بحجم الفيل .. يظهر ليأخذه .. يجري والتنين من خلفه .. حتى أصاب رجلاً عجوزاً وقوراً ضعيفاً .. سأله المساعدة .. واعتذر من عدم القدرة عليها ..

يجري في كل مكان والتنين خلفه يكاد أن يخطفه ..

فجأة رأى النار أمامه .. وقفل راجعاً فوجد العجوز يبكي رحمة وشفقة عليه .. وأشار إلى مخرج آخر .. وهو لازال مطارداً .. وقد أنهكه التعب .. وكاد أن يخطفه التنين بأنيابه ويديه ..

كانت هناك تلة خضراء .. فوقها صبية صغار .. استنجد بهم .. سمع نداءهم لابنته التي أسرعت فمدت يدها اليسرى إليه .. وأشارت بيدها اليمنى على التنين فانهزم .. ورمت نفسها في حضنه كما كانت تفعل في الحياة ..

سألها : ماهذا التنين يا ابنتي ؟

قالت : إنه عملك يا أبي .. ألا تعلم أن الأعمال تتجسد يوم القيامة ؟

سألها عن العجوز الطيب !!

قالت : إنه عملك الصالح .. الذي ضعف وهزل ..

يا أبي .. لم ينقذك اليوم إلا تلك الابتسامة التي أدخلتها على بنات رجل السوق ..

ثم مسحت بيدها على وجهه وقالت : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ

وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) سورة الحديد ، آية رقم 16

استيقظ من نومه وأصبح ..

أصبح بعلمه وأدبه ورفقته ومريديه ملء السمع والبصر ..

اللهم اهدنا بهداك ..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store