Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سعيد محمد بن زقر

الإستراتيجية الصناعية

خواطر اقتصادية

A A
يدور حوار بين الصناعيين حول الإستراتيجية الصناعية التي يعمل على وضعها مجلس الغرف بقيادة رئيس اللجنة الوطنية الصناعية، وما أود أن أدلي به بشأنها نابع من حقيقة علمية بأنه لا حل لأي تحدّي اقتصاد كامل بحلول اقتصاد جزئي. لهذا من يدلي بدلوه في الأمور الاقتصادية كالصناعة واستراتيجياتها يجب أن لا يندفع فيما يراه من متابعاته المباشرة مثل التأشيرات والتكاليف والخدمات المساندة في الصناعة. صحيح أنها تحديات إن وجدت حلولاً ديناميكية ستنعكس قيمة مضافة للصناعة. ولكنها تظل أموراً تشغيلية سقفها دون الخطط الإستراتيجية للاقتصاد الكامل، وبالتالي قد لا تنجح إلا في

وضع حلول جزئية.

وأستميح القراء للرجوع لتاريخ تجربة القارة العجوز والتجربة الأمريكية ودول آسيوية طبقت النسخة المتوحشة من الرأسمالية. ففي هذه التجارب قلصت الأنظمة وخصخص كل ما يمكن خصخصته مع ركض خلف رؤى أقرب للأسطورة منها لرؤية اقتصادية مثل أن السوق أفضل من ينظم نفسه بنفسه ، وأن الدولة كلما حدت من تدخلها في الاقتصاد كلما سمحت للسوق بموازنة نفسه بنفسه. يُستثنى من هذا نهج تجربة الدول الاسكندنافية والنورديك، لأن هذه لها نسخة مختلفة من الرأسمالية الاشتراكيه الديمقراطية وهي أقرب

للتشاركية بين القطاع العام والخاص أو تسير معه يداً بيد.

وما أود الاشارة اليه أن التجارب التاريخية فيها عبر ملهمة لتشكيل أي رؤية استراتيجية للتصنيع وللنهوض باقتصاد المملكة، بدون ذلك سنظل نتابع الأعراض ونترك المرض. فالرؤى الجزئية لا تعالج كامل المشكلة. والتجارب التاريخية تفتح الأذهان على السلبيات ليتم تجنبها. ففيها نلحظ الاختلال الذي تولد عنه تراجع كبير بالطبقة الوسطى كنتيجة لتطبيقات أفقرت الإنسان بيد أخيه الإنسان ، فالأجور ظلت تتراجع أمام التضخم ولا ترتفع بما يعادله وكما أن الأرباح تزداد لتنعكس سلباً على الملايين من الذين يعملون للشركات التي تحقق زيادة في النمو وفي الناتج المحلي ولكن لا يلبث قطاع العاملين يجد نفسه يغرق في بحر لجي من الديون والفقر، هذا الخلل نابع من الاستراتيجية الصناعية لتلك الدول لأنها كان يجب أن تكون كالموج الذي يرفع جميع السفن لتمخر في عباب البحر فارتفاع دخل العامل يعني زيادة الطبقة الوسطى ويعني زيادة الاستهلاك ويعني التوازن والاستقرار الاجتماعي. لهذا أي رؤية استراتيجية للتصنيع بالمملكة ينبغي أن تستصحب هذه الخلفية وتأخذ بقيم الاقتصاد الإسلامي وحديث الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) وهو يعني ضمنا بأن إعطاء الأجر الصحيح في وقته الصحيح يؤكد العدل وعدم استغلال حاجة الإنسان، في مفارقة للنهج الرأسمالي المتوحش الذي طبقه ريغان وثاتشر. وكان الحصاد أزمات مالية وفقاعات وتآكل الطبقة الوسطى وارتفاع الجريمة والبطالة. لهذا من يرفض الرأسمالية المتوحشة يعبر إلى بر الأمان بطبقة وسطى مع نمو اقتصادي واستقرار اجتماعي. فمن يضعون الاستراتيجية الصناعية لابد أن يضعوا في الحسبان ما أمرنا الله به، من تعمير للأرض ومن استخلاف عليها. مع أخذ العبر والدروس من التاريخ بتجنب الممارسات السلبية. ومن حسن الحظ أن سلبيات ما بعد الحرب العالمية الثانية وسلبيات التجربة الرأسمالية المتوحشة إضافة لتجارب الدول التي طبقت النهج التشاركي صارت واضحة، مما يرجح النهج التشاركي باعتباره أقرب لمقاصد الاسلام التي تنادي بالعدل بين صاحب العمل والعاملين وبين الصناعي والبيئة ، فضلاً عن التعاون بين القطاعين العام والخاص. إنها رؤية تسعى للاستدامة وإستراتيجتنا الصناعية ينبغي أن تسعى للتنمية المستدامة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store