Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

شمسان

A A
(الحبّ) ذلك الشعور الإنسانيُّ العحيبُ الذي لا يمكنُ شرحُهُ ولا تفسيرُهُ ولا تعليله!

إنّه (الهِبةُ القلبيّةُ) التي تربطُ بين قلبينِ -أو بين قلوبٍ- برباطٍ لا تزيدُهُ الأيام إلا رسوخًا وشموخًا.

وفي كل حين يُطالعنا الحبُّ بقصةٍ جديدةٍ، وصورةٍ جديدةٍ، وموقفٍ جديدٍ! ومهما بدا هذا الموقف بسيطًا أو يسيرًا إلا أنَّ (الحبَّ) يجعلُ منه شيئًا آخرَ مختلفًا.

في أيام الحجِّ رصدتْ عدسةُ مصورٍ سعوديٍّ مشهدًا عجيبًا، إنه مشهدُ حاجٍّ محرمٍ ساجدٍ للهِ في ساحاتِ الحرمِ، وزوجتُهُ واقفةٌ بجوارِهِ تقيه الشمسَ، وتغمرُهُ بظلِّها!

أيُّ حبٍّ هذا الذي جعلها تلتفتُ هذه الالتفاتَةَ الجميلة، فتجعلُ من جسدها مظلةً تحمي زوجها؟

لقد هزتِ العاطفة الصادقة الكامنةُ خلفَ هذه الصورةِ وسائل التواصل الاجتماعيّ، فإذا بمئاتِ بل آلاف التغريداتِ تتحدثُ عن هذا الموقفِ البديع. وقد كان للشعراء بما لهم من رهافةِ الحسِّ إبداعٌ في ترجمةِ هذه الصورةِ والتعبير عنها.

يقول الشاعر ماجد الشيبة:

أظليني لأهنأ في

سجودي

ومن فيض الحنان عليَّ

جودي

إذا شمسُ النهار قَسَتْ

فشمسي

لها قلبُ المُتَيَّمِ والودودِ

إذا أغرى الأنامَ بياضُ

شمسٍ

وجادوا بالمدائح

والردودِ

فشمسي بالسواد لها

اعتزازٌ

ألا فاعجب لِبِيْضٍ تحتَ

سُوْدِ!

وقد أبدع الشاعرُ هنا في المقارنة بين شمسٍ وشمسٍ:

شمسٍ تقسو بحرارتها، وأخرى تمتلئُ رحمةً ومودة!

شمسٍ تزدان بالبياض وأخرى زينتها السوادُ!

وشكَّل الشاعرُ من هذه المقارنةِ رؤيةً شعريةً، فكأنه غاص في أعماق نفس هذا الرجل، فهو من جهة سعيد بسجوده ومناجاته لربه، ومن جهة أخرى يستشعر فيض الحنان وبحر الشفقة من هذه المرأة التي ظللته لتقيه قسوة حرارة شمس النهار.

وشاركتْ في تصوير هذه الحالة إحدى الشاعرات أيضًا فقالت على لسانِ الزوجِ:

وظِليَ من شَمْسي إذا

الشمسُ أَحْرَقَتْ

ونوري لمّا أظلم الليلُ داجيا

ودفءُ انتفاضاتي وسرّ

سعادتي

ومبسم ثغر الروح ألقاه حانيا

وقال الشاعر ماجد الجهنيّ:

شمسانِ في ثوب الجمال تلاقتا

في مرصدِ الأضدادِ للأضدادِ

شمسٌ من الحرّ اللهيبِ تجاسرتْ

لكنّ شمس العشقِ بالمرصادِ!

ولعل من أهمّ دروس هذه الصورةِ أن تُصَحَّحَ لدى شبابنا وشاباتنا صورةُ الحبّ الحقيقيّ الطاهر، فقد أسهمتْ بعض وسائل الإعلام في رسم صورةٍ مضللةٍ للحبّ بين الجنسينِ، صورةٍ قائمةٍ على زوال الأخلاقِ، وانعدامِ الفضائلِ، وتجيءُ مثل هذه المواقف العفويةِ لترسم ملامح الحبّ النقيّ الذي نتمناه.

إنّ هذا المشهد يعلمنا أنّه كلما صفت الأرواح وخلصت النوايا وقويت الروابط كان الود والحنان يؤديان دورهما المكين في التراحم والتعاطف واللين والشفقة، وهذا ما انبعث من تلك الصورة التي احتفت بها المشاعر الإنسانية وأجلتها تقديرًا وإجلالًا، وكان التجاوب معها نابضًا في لغة الشعر والنثر على حدٍّ سواء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store