Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

من القطريين رجل رشيد

A A
عندما تشتد الأزمات وتضيق حلقاتها، يستدعي انفراجها ظهور رجل من طراز خاص، يتميز بصفات تجمعها كلمة (رشيد)، رجل يسعى من أقاصي المدن، ويظهر في المفترقات الحرجة، ليفصل في النزاعات المُحْكمة. هو رجل من بين قومه تحركه مشاعره كما يحركه عقله، ذلك أن التعاطف الوجداني يجعله يهتم بشؤونهم، فيدفعه حزنه وخوفه عليهم إلى مساعدتهم. صحيح أن الرُشد يدل على التعقل والحكمة، لكن التقدم للأمام، والإمساك بالزمام يتطلب صواب الرؤية، وجسارة القلب، وقوة الإيمان.

ظهر الرجل الرشيد في أزمة قطر وقد ضاقت حتى استحكمت، كبصيص نور في ظلمة حالكة، وبدأ التحرك بهدوء ورويّة كمن يختبر الماء قبل الخوض فيه. في موسم الحج تصدّت قطر لحجاج بيت الله وعقّدت إجراءات دخولهم المملكة، فتصدّى الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني للتعقيدات ونجح في تيسير أمور ما يزيد على الألف حاج من قطر. كان مقدار الشجاعة التي استلزمتها تلك المهمة هائلًا، فالخروج عن المرسوم هو معارضة تحفّها المخاطر، خاصة مع دولة لها علاقات وثيقة مع جماعات الإرهاب حول العالم.

حرّكت تلك الخطوة المبدئية الساكن وفتـّحت البصائر، فهذا هو تأثير الرجل الرشيد في الجموع التي تتلمس إخلاصه وتعي أقواله، فجاء بعدها بيانه الذي وجّهه إلى قومه، وبدأه بالتعبير عن عواطفه: «إني أتألم كثيرًا وأنا أرى الوضع يمضي إلى الأسوأ». مثل هذا الرجل لا يمكنه أن يصمت ويتفرّج من بعيد على ما «آلت إليه الأوضاع من التردي»، وإلا فهو يخذل نفسه قبل غيره. كان الهدف من البيان أن يبث روح الوطنية في القطريين، وأن ينبههم من سبات الإذعان لينقذوا بلادهم من نفق المغامرة الذي دخلت فيه.

من صفات الرجل الرشيد ألا تكون له مطامع خاصة، فهو مكتمل بذاته وليس بحاجة إلى نفوذ أو أموال، لذلك فهو لم ينفرد بأي قرار، وإنما استشعر الخطر وأراد أن يجمع الناس ليشاركوه إيجاد الحلول وتصحيح الأوضاع قائلاً: «أدعو الحكماء والعقلاء من أبناء الأسرة الكرام وأعيان الشعب القطري إلى اجتماع نتباحث فيه حول كل ما يخص الأزمة، وما نستطيع عمله لنعيد الأمور إلى نصابها».

وكانت الاستجابة قوية كما يبدو، وإن حرص كثير من الناس على عدم الإفصاح عن أسمائهم، لكن هناك أيضاً من استجمع شجاعته متأسياً بمن نطق مواجهًا قومه بالحق، فأعلن الشيخ مبارك بن خليفة آل ثاني عن اسمه وتوجهاته الإصلاحية، واستجاب بعدها الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني ببيان مماثل خاطب فيه «أهل قطر الكرام كافة»، وعبّر عن دعمه لدعوة الاجتماع مع أفراد الأسرة الحاكمة والوجهاء والأعيان للتفاعل معها وتكوين وحدة وطنية متضامنة. والتف رجال قطر المخلصين من الجبهة المعارضة في لندن حول هذا الأمل في التوحيد، وعقدوا مؤتمرًا لوضع الخطط الجادة للتحرك المدروس لتحصين بلادهم من شرور الإرهاب.

في يوم صعب تبنّى الشيخ عبدالله مشروعًا طامحًا إلى تصحيح مسار بلاده وحمايتها من المخاطر التي تزعزع استقرارها بعيدًا عن نظام الحمدين. تصل قطر في ظل تهور ذلك النظام إلى طريق مسدود، وها هو أميرها يقف أمام العالم في خطابه للأمم المتحدة مكشوفاً ومنبوذاً، فالكل يعرف أنه يحاول أن يشتري الاحترام بأمواله، وأنه يبعثر المليارات في صفقات ضخمة ليعزز مكانته، وأنه يستجدي اللوبي الصهيوني لتحسين صورته، وقد وعد بإعادة جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزة لدى حماس منذ 2014، ليقبلوا به متحدثًا.

تقف قطر على حافة الكارثة متعنتة، وصلفة، ومراوغة، ومرتبكة وهي تفتح أراضيها للأغراب ليديروا شؤونها ولينهبوا ثرواتها. من هنا تزداد الضرورة إلى هذا الرجل الرشيد الذي سيعدل سياسات بلاده وتوجهاتها، ويعيد إليها رشدها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store